14 سبتمبر 2025
تسجيلهل واكبت مؤسساتنا العربية الانتشار المهول لتقنية الاتصالات، التي باتت عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في عصر متسارع بالاكتشافات العلمية، إذ إنّ التكامل الاقتصادي والآثار الناجمة عنه، يؤثر على قطاع الأعمال الدولية والمحلية، مما يحدو بالدول إلى تحسين بنيتها التحتية وعملياتها المتعلقة بصناعة الاتصالات وإلا ظلت في ركب بيئة لا تقوى على التنافس. يراودني تساؤل دوماً.. أنه رغم الحجم المهول للاستخدام التكنولوجي في عالمنا، وتحديداً الشرق الأوسط إلا أنّ آلية الاستفادة من الشبكة المعلوماتية كتقنية وعلم وصناعة مازالت دون مستوى الطموح. وعلى الرغم أيضاً من سعي الدول إلى توفير موازنة مالية جيدة وأدوات قانونية محفزة لتأسيس أرضية أو بنية مناسبة لاستخدام الاتصالات وتفعيلها لخدمة المشاريع والمبادرات إلا أنّ نوعية الاستخدام الشبكي مازال يحبو. فالمعلومات والتقنية أصبحا عصب التقدم الاقتصادي والمعرفي في واقعنا، وباتت أعمالنا ومهامنا تنجز بالحواسيب والشبكات المعرفية، والواقع يتطلب توظيف هذه المعرفة في حياتنا. ففي الكثير من المؤتمرات ولقاءات الخبراء تناقش ملفات ملحة في قطاع المعلوماتية، أبرزها الاستثمار في الاتصالات، وصناعة الاتصالات، وأمن المعلومات، وتنمية الاتصالات، وإنشاء سوق تنافسية للاتصالات. وهي موضوعات مهمة، لكونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببعضها، ويبقى أنّ الإنتاجية في قطاع الاتصالات من معلومات معرفية وتقنية لا تزال ضئيلة، وتعتمد في أغلبها على النقاش والتحاور دون التركيز على الإنتاجية. ففي أحدث تقرير للاتحاد الدولي للاتصالات أشار إلى أنّ "96%" المعدل العالمي لانتشار الهواتف المحمولة للعام 2013، مما يبين أنّ السوق وصل لدرجة التشبع، ويبين أيضاً أنّ الشبكة العنكبوتية يقدر عدد مستخدميها بـ"2،7"مليار مستخدم، وهو رقم ضخم في الاستخدام. وإذا توقفنا قليلاً عند هذه النسبة فإنها لا تعدو كونها علاقات بين البشر أو بين المؤسسات، ولكنها لا تقيس حجم الاستفادة الفعلي من التقنية في الإنتاج والتسويق والابتكار والإبداع والترويج والإعلان التي ما زالت نسبة غير مرضية لا تتساوى مع الانتشار المهول لها. وأركز في مقالي هذا على حالة انتشار التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط، وحجم الاستخدام الفعلي لها، وآليات توظيف هذه الشبكة المعرفية في الاقتصاد والقطاع الخاص والمشاريع. وأستشهد هنا بتجربة اليابان وهي بلد صناعي يشتهر بكونه عملاق الصناعة التقنية، نحج في فتح أسواق خارجية لاستقطاب العقول المبدعة في المعرفة، وقد أدرك حجم الأثر الذي قد تحدثه صناعة التقنية في مجالات الصناعية والطاقة والبيئة والتجارة. وفي أمريكا وبريطانيا وفرنسا فتحت مصانع عديدة لصناعة منتجات التكنولوجيا والمعرفة التي تنتج المعلوماتية، وسعت أيضاً إلى تصدير تلك المعرفة لتوظيفها في التجارة والصناعة وغيرها، وجميعها يقوم على الابتكار والشغف الذي يثري هذا المجال. وأعني من ذلك أنّ منطقة الشرق الأوسط لا تزال تستورد تكنولوجيا المعرفة والاتصالات، دون أن تسعى لتوظيفها فعلياً، ولا يعدو أمر استخدامها سوى للترويج التعريفي. ويعزز هذا القول المشهد الرقمي لدولة قطر الذي أصدره المجلس الأعلى للاتصالات 2011 أنّ "أستونيا وأيرلندا وسنغافورة " هي بلدان تطورت نسبياً من خلال تحولها إلى اقتصاد قائم على المعرفة، والصين والهند اقتصادان كبيران اعتمدا في نمو قطاعاتهما على التقنية، وأسهم الانتشار التكنولوجي في أستراليا والمملكة المتحدة في تعزيز فرص الصناعة والشراكات المؤسسية. وبالنسبة لقطر فيتناول التقرير قطاع الأعمال الذي شهد معدلات انتشار مرتفعة للإنترنت والاتصال بالشبكات المحلي والخارجية والمواقع الإلكترونية للشركات. وأشار إلى أنّ الشركات الصغيرة تتأخر عن ركب الشركات الأكبر حجماً من حيث دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في نشاطاتها ويعد العدد الضخم للشركات الصغيرة ويقدر بـ"72%" من مجموع شركات القطاع الخاص أثرا كبيرا على معدلات انتشار قطاع المعلومات والاتصالات. نحن إزاء هذا العدد الكبير للشركات في القطاع الخاص التي لا توظف الاتصالات والمعلوماتية توظيفاً إنتاجياً في أعمالها. فثقافة التكنولوجيا من اتصالات وشبكات ومعلوماتية تعد قطاعاً زاخراً بالفرص، التي تتيح الارتباط مع قطاعات أخرى، وهذا يعزز من مكانتها الاقتصادية ويفتح أمامها فرص الاستثمار الحقيقي في عالم الاتصالات وهو سوق واعدة يزيد من الارتباط الفاعل بين الشركات.