29 أكتوبر 2025
تسجيلتنعقد قمة مجلس دول التعاون الخليجي في الكويت في ظل قنابل صوتية تنفجر هنا أو هناك وتشكيك غير بريء بجدية الخليجيين للسعي لوحدتهم المنشودة، ورغم التقليل من أهمية التصريحات السياسية لما نطق به أخيرا وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الذي نكأ جروحا مسكوتا عنها، فإن ذلك يعد سابقة خطيرة سيبني عليها أعداء المجلس كمنظومة خليجية متكاملة بغية إفشال فكرة الاتحاد الخليجي، فتصريح الرجل هو جرح فكري في الجسم الخليجي خصوصا والجسم العربي بشكل عام، إذ كلما وقعت أحداث جديدة على بلاد العرب ينفجر موقف غير متوقع من هذا الجانب أو ذاك، والسبب في ذلك أن غالبية الحكومات العربية والخليجية منها لا تنظر إلى فكرة التكامل نظرة جدية للوصول إلى مرحلة الوحدة. لقد ذكرت سابقا أن جميع محاولات ومشاريع الوحدة أو التعاون التكاملي العربي باءت بالفشل، من الاتحاد بين مصر وسوريا في ستينات القرن الماضي إلى مجلس التعاون العربي الذي ضم العراق ومصر والأردن واليمن واتحاد دول المغرب العربي، وهذا مرده للأنانية السياسية لدى قادة الأنظمة الشمولية أو الطرف القوي أو الظن بالموارد الاقتصادية، فلا أحد في الدول العربية الأغنى يريد أن يشاطره أحد من فقراء العرب ولو جزءا بسيطا مما أنعم الله عليهم به، لهذا فإن كثير من القادة السياسيين العرب في شتى مناصبهم لا يأخذون فكرة الاتحاد على محمل الجد، بل يعتبرونه ترفا إعلاميا وحديث صالونات ليس له أي وقع على أرض الواقع. للأسف العقلية العربية لا تزال تقف على قبر القبلية التي تتفاخر بإرث الأجداد وتنسى أنها تحولت رغم أنف قيودها إلى جزيئات ذابت في محيط العالم، وهذا يحتم على أهل الفكر الذين يتولون مناصب سياسية كبرى في دولنا العربية أن ينظروا إلى الأمور بعين المستقبل لا التاريخ الذي ولى، ولا بعين الحاضر المليء بالجراح والنكايات السياسية والرعب الاقتصادي، خصوصا دول مجلس التعاون التي تشكل السعودية وقطر والكويت والإمارات عصبه القوي وهي بوجود البحرين وعمان قوة اقتصادية هي الأكبر والأقوى تأثيرا في العالم العربي، وهي تعرف أنها بقراراتها السيادية تستطيع أن تشكل قوة سياسية في منتصف هذا العالم الذي تهوي له أنظار العالم. إن تحطيم فكرة الاتحاد الخليجي المنتظر لم يكن مجرد صدفة أو اختلاف في الرأي والرؤية، بل إن الأصوات تعالت ضد مجلس التعاون منذ دخول قوات المجلس إلى البحرين لمساعدة الحكومة هناك على ضبط الأمن وإعادة الاستقرار الذي قلقلته أيد ٍ طائفية داخلية بدعم خارجي، ومنذ ذلك الوقت والحديث عن التدخل في شؤون الغير يواجه كل تحليل سياسي أو خبر غربي أو شرقي عند الحديث عن دول الخليج أو أحداث البحرين، لذلك لم نستغرب أن تنفجر القنبلة الصوتية الأقوى من البحرين حين فضح الوزير العماني عن عدم رغبة دولته الانضمام إلى الاتحاد الخليجي وكأنه ممثل لدولة إفريقية لا خليجية غير بعيدة عن أي قلاقل قد تحدث مستقبلا. عمان كدولة لها رأيها ورؤيتها لها الحق أيضا أن ترى بعين مصلحتها وأن تقرر ما تريد، ولكن هل ما جاء على لسان الوزير كان خلاصة فكر للدولة أخذت على عاتقها عدم الخوض في أي ضجيج سياسي عربي منذ زمن بعيد، فهي لا تتكلم في أي شأن هام يخص العالم العربي، ومنذ ثورة ظفار التي انفجرت منتصف السبعينات من القرن المنصرم، لم تشارك السلطنة في أي تجاذبات حقيقية مع محيطها العربي إلا بالحد لأدنى، ولعل مرد ذلك من دروس التاريخ، فجيش السلطنة لم يستطع السيطرة على الثورة فاستنجدت بالملك الراحل الحسين بن طلال، الذي وجه وحدات خاصة من الجيش الأردني للمشاركة في حفظ عرش السلطان، وهذا ما جرى. من هنا لا يمكن أن يؤخذ أي تصريح لانشقاق وحدوي عربي بعيدا عن المؤثرات الخارجية، خصوصا في نظام حكم يتقاسم السيطرة مع دولة كإيران على مضيق هرمز وهو عنق الخليج العربي وشريانه الرئيس عبر المحيطات، فإذا نفذت عُمان تهديدها بالخروج من المجلس تبعا لرفضها الاتحاد، فستحكم إيران قبضتها على الخليج عبر الفك الجنوبي للكماشة التي أحكمت فكه الشمالي ابتداء من أم قصر على شط العرب في العراق الجديد، وإذا ما فهمنا تصريحات الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس أمس والتي رحب فيها بلقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني ووصفه إيران بأنها ليست عدو، فلقادة دول الخليج أن اتحادهم المرعب هو الضامن لسيطرتهم عبر السيادة في الخليج كالقوة العربية الأكبر أمام التحولات الدراماتيكية في الساحة السياسية الشرق أوسطية التي مهدتها واشنطن بفك القيود عن العنق الطويل للدولة الإيرانية التي تعمل بهدوء نحو إقليم تابع لها مجددا.