15 سبتمبر 2025

تسجيل

موخيكا الرئيس فقره سرّ قوته

11 نوفمبر 2014

خوسيه موخيكا هو رئيس دولة الأوروجواي في أمريكا اللاتينية، يعتبر أفقر الرؤساء في العالم، فراتبه الشهري يعادل 13 ألف دولار في الشهر، يقول إنه يتبرع بتسعين في المئة منه لصالح الأعمال الخيرية في بلاده التي تعاني من الفقر وسوء الأحوال الاقتصادية العامة، حيث يعيش غالبية السكان بمعدل دخل متدن للغاية، ولحسن الحظ أن رئيسهم لا يقطع الرؤوس ولا يتعامل مع البورصات والأعمال، ولا يتدخل في الصفقات الكبرى وشراء الأسلحة والطائرات لبلده، فهو يعيش حياة الكفاف في منزل ريفي تصاحبه كلبته العرجاء. موخيكا هذا اليساري المتقشف يعيش بمبلغ 1200 دولار أمريكي فقط، يا إلهي ويقود سيارته "الفولكسفاجن الخنفساء" موديل 1985، إذ لا يتعدى سعرها 2000 دولار أمريكي، وهذه السيارة مشهورة جدا في دول أمريكا اللاتينية في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، فتلك السيارة الألمانية التي صنعت قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية لها خاصية مميزة، إذ لا يبرد محركها بواسطة الماء، بل بالهواء مباشرة، ولا تتعطل في المياه والثلوج ولا في المناطق الحارة، واقتصادية جدا بالوقود، وهي السيارة الشعبية في أمريكا الجنوبية ولها مصنع قديم في البرازيل، واليوم أصبحت الأكثر شهرة في العالم بعد "خنفساء موخيكا".موخيكا، أطال الله في عمره، يبلغ السادسة والسبعين من العمر، سره في نزاهته، ولكن يبدو أنه محسود على نزاهته وفقره وسيارته "البيتل"، فقد عرض عليه أحد الأثرياء العرب شراء السيارة بمبلغ مليون دولار، ولكنه رفض بكل أدب، وأعرب عن اعتزازه بتلك السيارة، وقال: لو قبلت العرض لأنفقت المبلغ لصالح الأعمال الخيرية لشعبي، ولكن السيارة الفقيرة هي رفيقة طريقي.يا سلام يا موخيكا، أفضل ما فعلت أنك أفسدت على أخينا العربي حلمه بتدمير مشروع الإغراء والإغواء لحضرتك، وتعليمك فن البيع. في المقابل يبدو أننا نحن العرب لا نريد أن نصلح حالنا ولا نريد للآخرين أن يصلحوا أو يبقوا صالحين، فليس هناك رئيس ولا حتى مواطن يريد حقا أن يعيش حياة التقشف والزهد طوعا، حتى مع علمنا الأكيد بأن الفقر والجوع ليس غريبا علينا، فلقد مرت قرون سابقة وعقود أولى من القرن العشرين في غالبية بلادنا العربية، لا يملك الناس فيها ما نراه اليوم من بذخ العيش، بل لا يملكون ما يكفيهم من الغذاء، وكانوا يعيشون بكل كرامة وكرم وإباء وإيثار وعزيمة قوية للبقاء ومقارعة الأعداء، قبل أن نخرج نحن الأجيال المتأخرة لنركن إلى العيش الرغيد والهمة الهابطة والعزيمة المثبطة، حتى حكمنا في غالبية دولنا أشخاص وأحزاب شخصية وفئوية تزداد ثراء والشعوب تزداد فقرا.موخيكا مع غرابة شخصيته في هذا الزمان، فإنه يعطينا درسا في أن الحاكم يجب أن يكون قريبا من حياة مواطنيه، لا نقول إنه يجب أن يكون فقيرا، فأحوال العرب مثلا قد تختلف عن أحوال اللاتينيين أو الأفارقة أو المشارقة الآسيويين، ولكن لو نظرنا إلى الرئيس الأمريكي نفسه لوجدنا أنه من أفقر رؤساء أمريكا، فراتبه السنوي يبلغ 400 ألف دولار سنويا ومبلغ 50 ألف دولار مصاريف شخصية، ويعد راتبه أعلى من راتب رؤساء روسيا والصين وألمانيا والمكسيك، ومع هذا فإن لا أحد يعلم حقيقة كم هو راتب الحاكم العربي، فالكرم العربي ليس له ميزانية، وكذلك الحكم ليس له راتب محدد، بل إن عددا من الحكام الذين ماتوا أو قتلوا وهم يرتدون ملابس رثة بعد هروبهم كانوا لا يعرفون رقم المليارات التي يحتكمون عليها، فيما شعوبهم يعانون الفقر والجهل والإذلال.لا شك أن النفط والثروات الطبيعية كانت هبة وكرما من الله تعالى على أمتنا العربية، وعند التفاضل ما بين دولنا العربية نجد أن هناك دولا رغم ثروتها النفطية والغاز والشواطئ فإن الفساد فيها أقل بكثير من دول أخرى لا تمتلك النفط والغاز والثروات الطبيعية، بل إن الأخيرة الفقيرة يزداد الحكام فيها غناً ويزداد الشعب فقرا، والأصل أن الحاكم حتى وإن أمطرت السماء على "غرفة نومه" ذهبا ودولارات وبراميل نفط، فإن عليه مسؤولية أخلاقية، وهي التماهي مع متوسط حال شعبه، إن كانوا فقراء أو أغنياء، ولكننا البعض من الرؤساء ورجال الدولة في العالم العربي هم الأثرياء بالصدفة فقط وغالبية الشعوب هي الفقيرة بقرار رئاسي، بل ومقتولة أيضا بقرار رئاسي.للعلم فقط فإن أحد أهم أسباب عدم انفجار انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني هي الرواتب التي يتقاضاها أرباب الأسر هناك من سلطة رام الله، فسنوات مضت جعلت من الثوار مدجنين، ومهددين بلقمة عيشهم إن خالفوا السلطة، والرئيس هناك لا يدري كيف يوافق بين شخصيته رئيسا على الشعب الفلسطيني وبين شخصيته حاميا للمصالح الخاصة المهددة من قبل السلطة الإسرائيلية، لذلك ستبقى شعوبنا مهددة في لقمة عيشها ما دام الرؤساء لا يفكرون بعقلية خوسيه موخيكا.