18 سبتمبر 2025
تسجيللن أخوض كثيرا في معان جمّة حفل بها خطاب سمو الشيخ تميم بن حمد خلال افتتاحه دور الانعقاد العادي الثاني والأربعين لمجلس الشورى، تتضمن تعزيز الحكم الجيّد في نطاق الطرح حول: الدولة والقطاع الخاص والاقتصاد والمجتمع.. وما يطمح له في "حكومة رشيدة ومواطنة رشيدة" لأنها تحتاج إلى مقالات شتّى... ولأن السياسة الداخلية هي مفتاح السياسات الخارجية لأي وطن شمل خطاب سمو الأمير تحديدا أهداف التنمية بما فيها رؤية قطر 2030 في ركيزتين هما "بناء الوطن والمواطن"، مشدداً على الاستثمار في الإنسان والنمو الاقتصادي، ومؤكدا على التنمية الشاملة "المتكاملة والمتوازنة" لأنها سبيل إقامة الدولة الحديثة. ولأن استقرار وأمن الصعيد الداخلي ومتانة بنائه هي رهن قوة ونجاح السياسة الخارجية شدد سموه على بناء المؤسسات اعتمادا على: الإدارة العقلانية للموارد، المعايير المهنيّة، مقاييس الإنتاجية والنجاعة، وخدمة الصالح العام من جهة، والحرص على رفاهية المواطن وتأهيله للعمل المنتج والمفيد، وتنشئته ليجد معنى لحياته في خدمة وطنه ومجتمعه من جهة أخرى." هذه الركائز المهمة في الخطاب تحتاج الى تمعن ووقفات كبيرة. فمن الخطاب: "يجب أن نتعامل مع ثرواتنا واقتصادنا بمسؤولية" كلمة مهمة جدا في عرف قطر خصوصا اذا ما قورنت بسابقتها "خدمة الصالح العام من جهة" وما فيها من تأكيد على ضرورة حرص القائمين على مشاريع وأعمال قطر على الصالح العام للوطن لا المنفعة الشخصية أو المنافع او التنفيع المتبادل، وهذه كلمة للقطريين ولغير القطريين في دولتنا ايضا الذين ما فتئت فئة منهم في عدد من المؤسسات تعتبر دولة قطر والعذر لهذا الاستخدام — "ب..... حلوب" — وما يفتئ بعض أهل البيت القطري الا ان يكون شريكا أو يتغدى بالسكوت قبل ان يتعشى عليه المتنفعون معززا مقولة "بوق ولا تخاف" بالتناقض مع مقولة "لا تبوق ولا تخاف" دون ان نجد للهيئات المعنية بالرقابة والشفافية ردعا يذكر منذ انشائها حتى شككنا بشعارات يتندر بها البعض خوفا من شكليات الكينونة. وجاء في الخطاب: "وهذا لا يتعلق بالجيل القادم فحسب، بل بنوع الإنسان الذي نعمل على تنشئته في الحاضر. هل هو إنسان منتج، أم هو إنسان مستهلِك فحسب؟ "المسؤولية الاجتماعية، وعدم الانزلاق إلى التبذير غير المسؤول هي من مكوّنات شخصية الإنسان" لا شك أن "التشديد على نوع الإنسان الذي نعمل على تنشئته في الحاضر" مهم حتما ليس فقط بمعايير الإنتاج، أو الاستهلِاك، بل بمعايير الرقابة الذاتية ومراعاة المصلحة العامة اولا ومن ثم معاقبة كل من يخون الوطن وامانته وهذا جزء مما عناه سموه ايضا في المفهوم الشامل في خطابه بـ "المسؤولية الاجتماعية". لقد ركز سموه على عدم الانزلاق إلى التبذير غير المسؤول مشيرا ليس فقط الى "ارتفاع تكلفة بعض المشاريع بشكل لا يتلاءم مع التكلفة والربح والعرض والطلب، بل الى تواتر طرح مناقصاتها لسبب سوء الإدارة الذي يؤدي إلى التغيير المتواتر في مواصفات المشاريع على حساب الدولة، أو في تأجيلها والمماطلة في تنفيذها، ثم القيام بتنفيذها على عجل، وبشروط أسوأ تزيد من الكلفة".. داعيا سموه بل ومكلفا مجلس الشورى البحث في سبب ذلك. لقد وقف سموه على الجرح بما نسمّيه (نقد الذات) في صراحة وشفافية منقطعة النظير نشأ وترعرع عليها من مدرسة الأب الوالد "حمد" وهذا لا يتأتى إلا من حكومة ذكيّة وواعدة حققت معايير الثقة بالنفس بما بذلت وما تبذل وما ستبذل... بل حرص سموه على ان ينتشر مفهومها بين ابناء شعبه، أبناء قطر، الذين هم ابناؤه الروحيون مهما صغر اليوم سنه وذلك ليتربوا عليها كمنهج أساسي في الاصلاح وبناء الأوطان بما عبر عنه بقوله الذي بدأه بحرف "إن" الذي يفيد التوكيد في اللغة العربية: " إنه لا يجوز أن نخدع أنفسنا. فهذا أسوأ من خداع الآخرين، لأن من يخدع نفسه يسد أمام نفسه الطريق لإصلاح الأخطاء. ومعيار النجاح في مجالات التنمية البشرية من صحة وتعليم وثقافة ورياضة وغيرها لا يقاس بحجم الاستثمار فحسب (ونحن لن نقصّر في هذا إن شاء الله) بل تكمن العبرة في العمل بنجاعة وإخلاص، وفي المُخرجات والنتائج. " إذاً... ليست العبرة بما نرى قطر عليه من وصولها للقمة اليوم بل بتتابع توقعاتنا من المخرجات من مؤسساتها وأفرادها للمحافظة على القمة التنموية البشرية والاقتصادية لا الانحراف عن جادتها. فبناء المؤسسات، وتقدم المواطن القطري والتنمية البشرية الشاملة لم يقّصّر فيها الوطن "قطر" أبدا بل ظل المواطن القطري محور الاهتمام الرئيس من خلال توفير أفضل مستويات التعليم والصحة وتنعمه مجددا بالتأمين الصحي، والحقيقة تقال: انها خدمات عالية لم تقدّم له فحسب بل قدّمتها الدولة بكرم وحفاوة لكل من يقيم ويعمل على أرضها، لذلك يُغبَط كلّ مواطن قطري بل ويُغبط كلّ فرد غير قطري يقطن قطر او يتمتع فيها بعقد عمل وهذه حقيقة لا يمكن ان ينكرها التاريخ. لذلك لا يتوقع الوطن ان يخونه احد او يخذله أحد او يتسيّب فيه احد او يتلكأ فيه احد او وأخيرا أن يكسل فيه احد سواء كانوا مسؤولين كبارا أو موظفين صغارا. وهذا ما شدد عليه سبحانه في قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" (27) الأنفال وشدد سموه في خطابه: "نعم قطر ستحاسِب على التقصير، أو سوء الإدارة، أو الفساد." الصيغة الايجابية تدفعنا الى البناء لأن "من يعمل يخطئ أيها الأخوة، والامتناع عن المبادرة والعمل ليس حلا، ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال الاستخفاف بمعايير العمل، أو مكافأة من يستخف بها بدلا عن محاسبته"، ونحن نتوقع التجاوز فقط عن الخطأ غير المقصود تمشيا مع مبادئ ديننا التي جرى عليها خطاب سمو الأمير ايضا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه) حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما. أما الخيانة بالعبث بمقدرات الوطن والإفساد فيه ماليا أو إداريا وما قد يجرى من مكافأة البعض عليه أو غض الطرف عنه لا بد أن يبتر لأنه أدّى الى استشرائه بما يعنيه المثل "من أمن العقوبة أساء الأدب" ولا يزال هناك من لا يتورع عن الفساد دون رقيب او حسيب وللأسف وهذا ما نأمل أن تكثف الرقابة والمحاسبة عليه "قولا وفعلا"، فيجب ألا يقوم بالخيانة فرد ولا يقبل بها فرد من قطر او في قطر، بل يجب أن يحاسب ويعاقب الفاعل والساكت كلّ حسب جُرمه صغر الفاسد ام كبر على قاعدة "وايْمُ الله لو انّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ". حتى لا يبتلى الوطن بالتأخر ويصاب المجتهدون بالإحباط والقهر، ولتنعم دولة قطر بتنمية شاملة تكون سوطا على الفساد الذي يعطل تقدم التنمية البشرية والمجتمعية. الخطاب تأطير لمنظومة تقوم على مفاهيم "الحكم الجيد" شملت في خطاب واحد التوجيه بالرأي السديد والمشاركة والشفافية والمسؤولية والمحاسبية والعدالة وتحكيم القانون. أعان الله سمو الأمير على هذه المسؤولية وحفظ الله قطر وقائدها وحكومتها وشعبها ووفقهم لما يعزز مفهوم جودة "بناء الوطن والمواطن".