12 سبتمبر 2025
تسجيلتَعْمَدُ الجيوشُ في الحروبِ إلى استخدامِ سلاحِ التشويشِ على راداراتِ العدوّ حتى لا يتمكن من تحديدِ تحركاتِ الجيشِ وبذلك تُفْقِدُهُ القدرةَ على التواصلِ مع قادتهِ وجنوده وآلياتهِ حتى تَشُلَّ حركته تمامًا، وقد يكون التشويش باختراق أنظمة الاتصالات وبث رسائلَ خاطئة لإيقاعِ العدوّ في الفخِ والإجهازِ عليه. ومن التحدياتِ العظيمةِ التي تواجهُ المسلمينَ والعربَ على وجهِ التحديدِ هذا الكم الضّخم من التشويشِ الذي يبثهُ الأعداءُ والصهاينةُ بواسطةِ وكلائِهم في الداخلِ والخارجِ عبرالوسائل والوسائط المختلفة، وقد نجحوا إلى حدٍ كبير في مساعيهم لتثبيط الأمة الإسلامية والتأثير على الأفراد والجماعات، فيعمدون تارةً إلى شيطنةِ أهلِ الحقِ وتارةً إلى التسويقِ لأهلِ الباطلِ، كل ذلك في محاولاتٍ مستمرةٍ لخلطِ الأوراقِ والتلبيسِ والتدليسِ حتى ضاعتْ بوصلةُ الأمّةِ ورفعَ الرويبضةُ عقيرته وتولى أمرها من لا يحمل همها. إن مِنْ أشدِ الخطوبِ مَرارةً غِيابُ الوعيّ بما يُحاكُ لأمّتنا التي أقسم أعداؤها بأن لاتقومَ لها قائمةً بعد سقوطِ الخلافة العثمانية منذُ قرنٍ ِمنَ الزمانِ، فَعَمِدُوا إلى تفكيكها جُغرافيًا ودِينيًا ومَذهبيًا وعِرقيًا وجَعَلوا الحدود بين تِلك التَّقْسِيمات كلّها مُلتهبةً وقابلة للاشتعال ولو لم تمسسها نار، وبَدلًا مِن أن يَكون ذلك الاختلاف في التنوعِ الثقافيِ والثراءِ الحضاري والإرث الفكري مصدرَ قوة ومحورَ ارتكازٍ للأمة أصبح بؤرًا للنزاع والتوتر. ولا يحتاج غياب الوعي وضياع البوصلة إلى دليلٍ أكبرَ مِنْ تَبَايُنِ المواقفِ تجاه قضية عادلة وعدوٍ مجرمٍ مغتصبٍ لأرضنا ومنتهكٍ لمقدساتنا، ولا أقصدُ هنا تباين المواقف الرسمية ولا أتحدث عن الحسابات السياسية المنتنة، ولكن اتحدث عن بعض المجتمعات العربية والإسلامية التي تعرضت للتشويش الممنهج وغسيل الدماغ الفاخر حتى أصبحت تحمل الضحية تبعات جرائم العدو، وتنظر للعدو وكأنه صديقٌ حميم. ومن المفارقاتِ أن تجد البعضَ يتسكع بين العواصم الأوروبية متغاضيًا عن جرائم حرية الرأي التي سمحت للمعتوهين هناك بسب النبي الكريم وحرق المصحف الشريف، ويستقبلون في نواديهم الصهاينة، ويحتفلون مع من يتجرأ على الذات الإلهية، ثم يفتلون شواربهم على المحاصرين في غزة ويعيرونهم بأنهم قبلوا مساعدات عسكرية من إيران ليدافعوا بها عن انفسهم واعراضهم بعد أن تخلى عنهم الجميع، فما هذا العِوارُ والتّيه أيها المطففون؟!. يقول «أبو العبد»، وأقصد طرفة بن العبد: وَظُلْمُ ذوي القربى أشدُ مرارة على النفس من وقع الحسام المهند إن من دلائل الغثائية التي تعيشها الأمة هو أننا لا نفقه أولوياتنا في التعامل مع الأحداث والمستجدات، والجهل بالأولويات ينتج عنه اختلال في المواقف وضبابية في الرؤية. فعندما نركب الطائرة على سبيل المثال، لا يكون من أولوياتنا أن نسأل عن جنسية القبطان الذي سيأخذنا إلى الوجهة التي نقصدها، ولا أن نسأل عن جنسه ولا لونه ولا ديانته ولا مذهبه، كل ذلك لايعنينا فنحن نشترك معه في المقصد ثم يذهب كل منا في طريقه. وبالمثل عندما يعتدى على شعب ما وتغتصب أرضه تجد شرفاء العالم يقفون مع المظلوم بغض النظر عن دينه وعرقه وحزبه وايديولوجيته. إنه لمن المؤسف أن يَصِلَ الإنحرافُ الفكري لدى بعض المحسوبين على الدّعوةِ بأن يحشدوا طاقاتهم البلاغِيَّةَ وحُجَجِهِم الفِقهية، في كُلِّ مَوْقِفِ عِزَةٍ وكرامةٍ للمقاومة، لِيُخرجوا مَثَالِب إخوانهم المجاهدين، فيرمونهم بالحزبيةِ تارةً ويشككون في ولائاتهم وانتمائاتهم تارةً أخرى، ومثلهم في ذلك كمثل الذي يُجهز على جَريح، في الوقت الذي يحشد العالم الغربي كل إمكاناته المادية والمعنوية ويحرك البارجات وحاملات الطائرات ويسخرها للبغاة الصهاينة. إن أيَّ خِلاف أو اختلاف إن وجد بين الأمةِ قاطبة وفصائل المقاومة يجب أن يوضعَ جانبًا عندما يواجه رجالها العدو المحتل، وتلك من شِيَمِ الرجال. وختامًا أقول لمن أضاع البوصلة من إخواننا المسلمين، ما قاله الإمام علي بن ابي طالب عندما سئل عن كيفية معرفة أهل الحق في زمن كثرت فيه الفتن؟ فقال: «اتبعوا سهام العدو فهي ترشدكم إلى أهل الحق».