15 سبتمبر 2025
تسجيلتكون لحرية الاتصال للبعثة الدبلوماسية قيمة إذا لازمها حماية المراسلات الصادرة والواردة من وإلى البعثة الدبلوماسية دون التعرض لها أو الاطلاع عليها أو كشف سريتها من قبل الغير، سواء كان ذلك الغير سلطات الدولة المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية أو أي دولة أخرى، أو سواء كانوا أفرادا. لذا.. كان هناك استقرار للرأي بين الدول على أن تتمتع المراسلات الخاصة بالبعثات الدبلوماسية بحرمة بجانب الوثائق والمحفوظات، لذلك تجد أن بعض الدول أبرمت اتفاقات في هذا الموضوع تؤكد فيها حرمة الحقائب التي تحمل الرسائل التي تبعثها الحكومات. إن هذه الحرمة تكفلها القواعد العامة التي تفرض على إدارة البريد ضمان سرية الرسائل والتي تسلم لها، ويجب على الدبلوماسي معرفة أن هذا الضمان لا يغطي سوى المراسلات التي يبعث بها عن طريق الإدارات، ولا يمتد إلى المراسلات التي تُرسل بالوسائل الخاصة للبعثة الدبلوماسية، وحتى بالنسبة للرسائل البريدية العادية فإنه لا يوفر لها دائماً السرية التامة، وقد يحدث في ظروف معينة للدول أن تفرض الرقابة على الرسائل الداخلة والخارجة من إقليم الدولة، بل قد يصل الأمر لبعض الدول أن تستبيح السلطات فيها لنفسها الاطلاع على بعض الرسائل دون ذكر الأسباب، لذلك كان إقرار قانون خاص لحرمة المراسلات الدبلوماسية أمرا ضروريا لابد منه، وكان النص على هذه الحرمة وبيان كل ما يتعلق بها في اتفاق دولي ألزم بعض الحصانات التي استقر العمل فعلاً بها وذلك بين الدول ووجوب مراعاتها واحترامها، وقد تضمنت اتفاقية فيينا في الفقرة (2) إلى (5) في المادة (27) فيما يتعلق بالدولة المعتمدة لديها البعثة، وأيضاً في الفقرة (3) من المادة (40) فيما يتعلق بالدول الأخرى التي قد تمر المراسلات عبر أراضيها. الفقرة (2) من المادة (27) تنص على أن: "للمراسلات الرسمية للبعثة حرمة مصونة، وتشمل عبارة المراسلات الرسمية كافة المراسلات الخاصة بالبعثة وبمهامها". أما الفقرة (3) من ذات القانون فتنص على أن: "الحقيبة الدبلوماسية لا يجوز فتحها وحجزها". أما الفقرة (4) من ذات القانون فتنص على أن: "العبوات المكونة للحقيبة الدبلوماسية يجب أن تحمل علامات خارجية ظاهرة تدل على صفتها، ولا يجوز أن تحوي سوى وثائق دبلوماسية أو أشياء للاستعمال الرسمي". وبالنظر للفقرة (5) من القانون سالف البيان فإنه ينص على أن: "الرسول الدبلوماسي الذي يجب أن يكون حاملاً لمستند رسمي يدل على صفته ويحدد فيه عدد العبوات المكونة للحقيبة الدبلوماسية يكون أثناء قيامه بمهامه في حماية الدولة المعتمد لديها، وهو يتمتع بالحصانة الشخصية، ولا يجوز إخضاعه لأي إجراء من إجراءات القبض أو الحجز". لذلك، يلاحظ فيما يتعلق بالحقيبة الدبلوماسية أن الفقرة (4) نصت على عدم جواز احتوائها على غير وثائق دبلوماسية أو أشياء للاستعمال الرسمي، ويعتبر في حكم الحقيبة الدبلوماسية Valise diplomatique كل ما يُرسل مغلقاً أو عليه رسم البعثة الدبلوماسية كالمحافظ والظروف والطرود التي تحوي وثائق أو أشياء معدة لاستعمال رسمي كما جاء ذلك أيضاً في تعليق لجنة القانون الدولي على المادة (25) لذلك تم صياغة الفقرة (4) من المادة (27) من اتفاقية فيينا المقابلة للمادة (25) من هذا المشروع في كتاب اللجنة. ولكن السؤال هنا.. هل يفهم من هذا أن عدم جواز التعرض لها والذي نصت عليه الفقرة (3) مشروط بذلك؟ وهل يجوز حجزها أو فتحها في حالة استعمالها على وجه يخالف النص سالف البيان؟ الجواب: في الواقع أن هناك حالات حدث فيها فعلاً أن فُتحت الحقيبة الدبلوماسية وذلك بإذن من وزارة خارجية الدولة صاحبة الإقليم، وبحضور مندوب عن البعثة الدبلوماسية صاحبة الحقيبة في أغراض غير مشروعة إضراراً بحقوق الدولة صاحبة الإقليم أو إخلالاً بقوانينها، مثل إدخال ممنوعات إلى الدولة أو تهريب أموال أو أشياء محظور إخراجها من إقليم الدولة، ونحن نرى أنه.. ومع ذلك يجب عدم اللجوء إلى هذا الإجراء الاستثنائي إلا في حدود ضيقة وفي الحالات القصوى، كما يفضل أن تقوم الدولة المعتمد لديها هذا الإجراء في حالة إساءة استعمال الحقيبة الدبلوماسية بالاحتجاج لدى الدولة التي يتبع الحقيبة بعثتها، أو أن تطلب بسحب المبعوث الدبلوماسي أو تأمره بمغادرة إقليم الدولة باعتباره شخصا غير مرغوب فيه. - عادةً يعهد بالحقيبة الدبلوماسية لرسول خاص يوصلها إلى وجهتها، ويكون هذا الرسول مزوداً بكتاب يثبت صفته، ويطلق على القائم بهذه المهمة وصف (حامل الحقيبة الدبلوماسية) أو (الرسول الدبلوماسي) وأيضاً يتمتع خلال قيامه بهذه المهمة بحصانة شخصية، فلا يجوز القبض عليه أو حجزه بأي حال، وأحياناً يُعهد بالحقيبة الدبلوماسية إلى قائد الطائرة المدنية وذلك ليسلمها إلى الجهة المرسلة إليها التي تقع في طريق رحلته، ولكن لا يُعتبر قائد تلك الطائرة في مثل هذه الحالة بمثابة الرسول الدبلوماسي الذي يحق له التمتع بالحصانة الخاصة، بينما تظل للحقيبة الدبلوماسية حرمتها الذاتية حتى تصل إلى وجهتها، ويجب العلم أيضاً أن هناك اختلافا في حالة ما إذا كانت الطائرة مخصصة لنقل الحقائب الدبلوماسية وكانت هذه المهمة هي من المهام الأساسية لقائد الطائرة وللرحلة الجوية، فتكون عندئذ صفة وحصانة الرسول الدبلوماسي ما دام أثبت قائد الطائرة رسمياً بإثباتات رسمية لمهمته الدبلوماسية. وقد تضمنت اتفاقية فيينا هذه الأحكام في الفقرتين الأخيرتين من المادة (27) والتي أضيفت للنص الأصلي للمادة (25) من مشروع لجنة القانون الدولي وهما الفقرة (6) و(7) والتي تنص على أن: "للدولة المعتمدة أو للبعثة أن تعيّن رسلا دبلوماسيين لمهمات خاصة cd hoc وفي هذه الحالة تطبق بالنسبة لهم أيضاً أحكام الفقرة (5) من هذه المادة مع مراعاة أن الحصانات المنصوص عليها يقف سريانها بمجرد أن يُسلم الرسول الحقيبة الدبلوماسية التي في عهدته إلى وجهتها، لذلك تنص الفقرة (7) على أنه: "يجوز أن يُعهد بالحقيبة الدبلوماسية إلى قائد طائرة تجارية نوى الهبوط في مكان مسموح بدخوله، ويجب عندئذ أن يكون هذا القائد حائزا لمستند رسمي يبيّن فيه عدد العبوات المكونة للحقيبة لكنه لا يعتبر في حكم رسول دبلوماسي، وللبعثة أن توفد أحد أعضائها ليتسلم مباشرة ودون قيد الحقيبة الدبلوماسية من يد قائد الطائرة". والنص على حرمة المراسلات الخاصة بالبعثة الدبلوماسية لا يكون ذا جدوى إذا قصر واجب صيانة هذه الحرمة على الدولة المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية ولم تلتزم به، كذلك الدول الأخرى التي تمر بها تلك المراسلات في طريقها إلى وجهتها الأصلية والنهائية. لذا.. تنص الفقرة (3) من المادة (40) من اتفاقية فيينا على أن: "تمنح الدول الأخرى للمراسلات الدبلوماسية ووسائل الاتصال الرسمية الأخرى المارة بها ومن بينها الرسائل الاصطلاحية أو الرمزية نفس الحرية والحماية التي تمنحها الدولة المعتمد لديها وتمنح كذلك للرسل الدبلوماسيين بعد حصولهم على تأشيرة دخول، حيث تلزم هذه التأشيرة وكذلك للحقائب الدبلوماسية المارة بها ذات الحرمة، وذات الحماية التي تلتزم الدولة المعتمد لديها بمنحها لهم". خبـير قانـوني [email protected]