13 سبتمبر 2025

تسجيل

لغة الإعلام

11 سبتمبر 2019

المذيع ما لم يكن مُلماً بأصول اللغة العربية فإنه سوف يسقط جماهيرياً سلامة اللغة في الإعلام  الضمانة الأولى لسلامةِ وصول الرسالة إلى المتلقين تُشكّلُ سلامةُ اللغة العربية – في أجهزة الإعلام العربية – الضمانةَ الأولى نحو سلامةِ وصول الرسالة إلى المتلقين. وأيُّ اختلال في سلامة اللغة، سوف يُعوق وصول الرسالة، ويؤدي إلى ضعف ثقة المتلقي في المحطة. وكّنا، في السبعينيات، نُحاسَبُ على سلامة الكلمة، نحواً ونُطقاً، وكان مدير التلفزيون السيد/ جواد مرقة، يتابعُ المذيعين، أولاً بأول، لأنه يعرف خبايا اللغة ويُجيدها، ويصل إلى مرحلة ( تهديد) المذيع بالتوقيف عن الظهور على الشاشة، إن كرّرَ الأخطاء ذاتها في نشرة أخرى. لذلك، نشأ جيلُ التلفزيون الأول على إجادة اللغة، وبعضهم تحوّل إلى دراسة الأدب العربي، أو وضع له أستاذاً للنحو والصرف. قبل أيام سمعتُ نشرةَ أخبارِ تلفزيونية من إحدى المحطات الخليجية، تقرأها مذيعة، ولكنها لم تكُن تنتبه إلى سلامة الألفاظ، وتُجاهرُ في الأخطاء الفادحة، وبكل ثقة، فكانت تقول: استقبلَ ( سُموَّهُ)، والصواب (سُموُّه) لأنها فاعل مرفوع نقلَ (تحياتَ)، والصواب ( تحيّاتِ) لأنها مفعول به في جمع مؤنت، يُنصب ويُجر بالكسرة. عُقدِت (جلسةَ) مباحثات، والصواب (جلسةُ) لأنها مبنى على المجهول (مرفوعة) حضَر اللقاء (نائبَ) رئيس مجلس الوزراء، والصواب ( نائبُ) لأنها فاعل. على (صاحبَ) السعادة، والصواب ( صاحبِ) السعادة، لأنها مجرورة بالكسرة. ذكرت المذيعةُ كلمةَ ( سموَّه) أكثر من خمسين مرة في حالة نصب، والصواب، أن تكون في حالة رفع ( سموُّهُ). أعرب (رئيسَ) وزراء باكستان، والصواب ( رئيسُ) لأنه في موقع فاعل مرفوع. باعتبارَها، والصواب ( باعتِبارها) لأنها مجرورة بالباء لتعزيز علاقات (الثقافةَ) المشتركة، والصواب ( الثقافةِ) لأنها مضاف إلى مجرور. ولقد استمر الخبرُ الأول في النشرة لأكثر من خمسة وعشرين دقيقة، وهو خبرُ وكالة أنباء، يُرسل إلى جميع الهيئات الإعلامية، بما فيها الصحف. ولأنَّ للتلفزيون خصوصية معينة، مُمَثلة في كفايةِ الصورة في الشرح، باختلافها عن الجريدة، كان يجبُ اختصار هذا الخبر الطويل جداً، والتخفيف على المذيعة (المسكينة) بأن تُحرَج أمام الجمهور، بتلك الأخطاء القاتلة. إن سلامة اللغة واللفظ، من البديهيات في العمل التلفزيوني والإذاعي، ففي الصحافة، يوجد قسمُ خاصٌ للتدقيق اللغوي، ويقوم " بتقويم" الأخطاء التي تردُ في المقالات، عن ضعف أو عن غير قصد، ويسلم بذلك المقالُ من تلك الأخطاء، ولكن في التلفزيون أو الإذاعة، ما لم يكن المذيع مُلماً بأصول اللغة العربية، فإنه سوف يسقط جماهيرياً، وسيتم انتقادهُ، مهما طال أمدُ بقائهِ على الشاشة أو أمام الميكروفون. وحتّى في وجود (تشكيل) من المُحرر على جهاز (الأوتوكيو) !!؟ كما أن سلامة لغة المذيع، تساهمُ في نجوميته، وتجعله محبوباً، قريباً، من الناس، ولقد كانت كُبرياتُ شركاتِ الإعلان، تَحجزُ أوقاتاً لإعلاناتها، على محطات أمريكية، حًبَّاً في مذيع ناجح، يشاهدهُ الملايين، وهو (والتر كرونكايت)، وبقيّ على الشاشة حتى تجاوز الخامسة والسبعين أو الثمانين. ولأنه كان ناجحاً، جذبته المحطات كي يقوم بالتعليق، دون أن تظهر صورته، على البرامج التسجيلية، ذلك أن صوته ما زال عالقاً في أذهان الناس. والمذيع الذي يحتفظ بلغة سليمة، يُمكنه التعليق – في حال النقل المباشر- لفتراتٍ طويلة، لأنه مُتمكنٌ من اللغة، بعكس المذيع الذي لا يُجيد اللغة، فقد يُحرَج، ولا يستطيع المغامرة، بذكر جُمَلٍ طويلة خالية من الأخطاء النحوية. خصوصاً، إن حصل وتمَّ وضعُ مقابلةٍ مباشرةٍ في نشرة الأخبار، حيث سيكون الحوار مباشرةً مع الضيف، وهذا يتطلب مهارةً في إلقاء الأسئلة، ناهيك عن ثقافة المذيع، في القضية المُثارة. كما أن سلامة لغة المذيع تُجَنّبهُ (التأتأة) أو (التلعثم) عند قيامه بالقراءة أو الحوار، وتضمن له انسيابيةَ الحوار، وحُسنَ إيصاله إلى الجمهور. ومن الوسائل المُهمّة التي تعلّمناها في الولايات المتحدة وبريطانيا، في السبعينيات والثمانينيات، أن نشاهدَ تسجيلاتٍ لأدائِنا في الدورات التدريبية، ويقوم الطلبة ُبنقدِ تلك التسجيلات، وإبلاغِنا بالنماذج الصحيحة، حتى نتجنّبَ الأخطاء. لا عيب ولا خجل من التعلُّم، والذي لا يُخطئ، لا يتعلَّم، وكما قلنا – في مقال سابق – نحن نحتاج لأن نُجيدَ مِهنتنا، ونساهمَ في تطوّرنا، عبر عِشق المهنة، والقراءة عن النماذج الجديرة بالاحتذاء في هذه المهنة! وأن نُركِّز انتباهَنا على مواقعِ الخطأ أو الهنّات التي تواجهنا، ونحاول علاجَها بالطريقة السليمة. قد يحتاج الأمرُ إلى صبرٍ ومثابرة، كما أن الجمهور انطباعيٌّ بدرجة كبيرة، فإذا قَبلَ المذيع على أنه ناجح وصاحبُ ثقة، فإنه سيقبلهُ إلى الأبد، والعكسُ بالعكس، فإن المذيع الذي يُكثر من الأخطاء النحوية، ويتلعثم في الحوار، ولا يستخدم التواصل عبر العين (Eye Contact)، فإنه سوف يُنفّر المشاهدين منه، بل وقد يتحولون إلى محطة أخرى، تماماً كما هو الحال مع مذيع المحطة الإذاعية، فكم منّا، تحوّل إلى محطة أخرى، كون المذيعة غيرَ مَتقنة لمُهمّتها، وتُكْثر من الأخطاء، أو تلوين الصوت، أو – في حالات معينة – تستخدم (الدَلع) الأنثوي في القراءة، وهذا لا يجوز البتّة، ويُخرج المحطة عن وقارها. من واقع التجربة، لا بدَّ لنا، بعد أن تقاعدنا، أن ننقل تجاربَنا إلى الجيل الحالي من المذيعين، فإن قَبلوها خيراً، وإن لم يقبلوها، فعلى الأقل قُمنا بواجبنا تجاهَهم، وتجاه المهنة التي نُكنُ لها كُلَّ احترام وتقدير، وبوّدنا أن تُؤَدّى على خير وجه، ذلك أن الإعلامَ يُشكّلُ الوجهَ الحضاري للوطن، وكُلُّ مواطن يريدُ أن يكون ذلك الوجهُ متكاملاً صالحاً ووسيماً ومُقنعاً للآخر.