14 سبتمبر 2025
تسجيلبعد اجتماع قمة العشرين بالصين لم تتوصل الدول الكبرى لحلول شافية تنقذ الاقتصاد العالمي من هوة ديون منطقة اليورو، ولم يجد صناع القرار مخرجاً لأزمات الإفلاس المتكررة لدول أوروبا، كما لم يتمكن المجتمعون من إقناع بريطانيا بالعدول عن قرارها بالخروج من الاتحاد الأوروبي لتزداد الهوة عمقاً. وعلى الرغم من أنّ القمة ناقشت موضوعات حرجة هي التمويل الأخضر والبطالة وديون اليورو وخروج بريطانيا والتغير المناخي وإفلاس دول أوروبا، إلا إنها لم تخرج بحلول مناسبة أو خارطة طريق لما ينبغي القيام به في المرحلة المقبلة.وتصدرت موضوعات ديون اليورو والتغير المناخي والبطالة اهتمام الخبراء والاقتصاديين، لكونها أثرت سلباً على مسيرة الاتحاد الأوروبي، ثم جاءت مشكلة النازحين واللاجئين لتزيد الهوة اتساعاً.والبعض يرى أنّ دفعات التحفيز المالي لبنوك أوروبا قد تنقذ المصارف المنهارة، إلا أنها عملت على تفاقم الوضع سوءاً، بل وأنفق الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الكثير من حزم التمويل ولكن إدارة تلك الأموال لم تكن بالشكل المرضي.فقد بدأت تداعيات الانهيار المالي لأوروبا منذ الأزمة المالية في 2008، وزادت الديون إلى 12 تريليون دولار في الوقت الراهن، ثم برزت اليونان كدولة على حافة الانهيار، وتراكمت ديونها لتصل 311 مليار يورو وهو أعلى معدل دين لدولة، والتي أدت إلى خلخلة الاتحاد وإحجام رؤوس الأموال عن المخاطرة في أوضاع مقلقة.وإذا كان اقتصاديون يرون أنّ الحل يكمن في تخفيض الإنفاق العام لحكومات اليورو، والقيام بإجراءات تقشف تشمل الخدمات العامة، وتحرير التجارة الدولية، وزيادة الضرائب، وتخفيض الرواتب والمعاشات، إلا أنني أرى أنّ الموازنات الضخمة التي أخذتها دول تعرضت للإفلاس لم تدار بالشكل المطلوب، علاوة على غياب المحاسبية، وعدم وجود رؤية مستقبلية للخروج من الأزمة سوى دفع حزم مساعدات دون جدوى.فقد أثرت الأزمات الراهنة لأوروبا على الأنشطة التنموية، وزادت الضرائب من سوء الأوضاع الاجتماعية التي أرهقت المجتمعات، إضافة إلى الاضطرابات السياسية والحزبية والاختلافات التي أدت إلى خلل في الأنظمة المالية لدول الاتحاد، وعملت على تباطؤ النمو في القطاعات، ووصل العجز إلى عدم قدرة القارة على مواكبة السياسات النقدية والاقتصادية.ولم تتمكن حكومات اليورو من التوصل لحلول عملية إلى يومنا، بسبب الاختلافات السياسية، وعدم قدرة الأحزاب السياسية القائمة الآن في تلافي مخاطر الانهيار، كما أنّ الحزم المالية التي يقدمها البنك الدولي وصندوق النقد والاتحاد الأوروبي لم تحل ولو جزءاً يسيراً من المشكلة بل تفاقم الوضع إلى المزيد من القروض، والتضخم، وزيادة التكاليف وتضاعف حجم الإنفاق العام، وارتفاع نسبة البطالة، وضعف الإنتاجية.وعلى الرغم من القرارات التي اتخذتها قمة العشرين المنعقدة في الصين مؤخراً حول تحرير التجارة الدولية، وتحفيز صناديق الاستثمار، وإيجاد فرص عمل، إلا أنني أرى أنّ القضايا الملحة التي كانت السبب الرئيسي في تفاقم هوة الديون أبرزها النازحون إلى القارة الأوروبية، وكيفية توفير الدعم الغذائي والاجتماعي والأمني لهم، والتغير المناخي وتقلباته المقلقة، وارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، فهي قضايا لم تتوجه إليها الحزم المالية بالعلاج، إنما توجهت إلى إنقاذ المصارف والبنوك في حين أنّ تلك القضايا الأخيرة شديدة التعقيد.ويرى البعض أنّ حلولا مثل إعفاء اليونان من ديونها، وإقناع بريطانيا للعدول عن خروجها من اليورو، وشراء ديون الدول المفلسة لإنقاذ بنوكها المنهارة قد يكون سبيلاً لإنقاذ اليورو، إلا إنني أراه هروباً وسيزيد الأوضاع تعقيداً سواء في خفض الموازنات أو خروج دول من كتلة اليورو.فما تتطلبه القارة الأوروبية هو تعزيز الاستثمار، وتوسيع التجارة الحرة فيما بينها، إلا أنه يتطلب لكل هذا الحفاظ على الاستقرار الأمني، الذي تقوم عليه اقتصاديات وأنشطة تجارية، وسيعمل النمو على دوران عجلة التنمية، وبالتالي إنقاذ المتضررين من مناطق النزاعات الساخنة، وسيكون أمام المراكز المالية لأوروبا فرصة إنقاذ الدول من هوة الإفلاس.وتبقى أزمة اليورو عالقة بين إفلاس دول، ومطالبات بدعم مالي ولوجيستي لبنوك على حافة الانهيار، إلا أنّ الاختلافات السياسية كانت السبب الأساسي في تنامي حدة قضايا اليورو، وبروز قضايا جديدة منها اللاجئون وطرق إيوائهم والحد من نزوحهم الكبير، والتغيرات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية مع تولي رئيس جديد لها، والتنظيمات الحزبية في اليونان وألمانيا وإيطاليا قد تغير شكل الحياة في الأيام القادمة.