17 سبتمبر 2025
تسجيليتعمق الجرح العام، فهؤلاء هم أبناء العرب والمسلمين يتقاطرون، هاربون، مهاجرون، فارون، يتحدون الموت عبر سلوك كل طرق الموت، للوصول إلى بلاد هي ذاتها من كانت تحتل أوطانهم، وكانوا هم ومن قبل آباؤهم وأجدادهم، في وضع الدفاع والتشبث بالوطن وفي وضع تقديم الحياة ثمنا لبقاء الوطن.وفي ذلك بدا ويبدو أو يتبدى ما حققته الحكومات التي سيطرت على بلادنا ما بعد التحرر من الاحتلال!.لم تعد بلادنا طاردة لأبنائها من الكفاءات فقط، ولم تعد بلادنا تعاني كثرة العاطلين والعوز والفقر فقط، ولا من آفة الديكتاتورية والظلم، بل صارت طاردة لكل أبنائها وبالجملة في صورة الطرد الجماعي والهجرات العابرة للحدود بل للقارات تحت تهديد القتل الجماعي، إذ لم يعد سكانها قادرين على الحياة على أرضها ولو كانت كلفة الهرب الموت برا وبحرا للوصول إلى بلاد يخرج منها من يقول لهم، أنتم مسلمون وبلادنا مسيحية فلا أهلا ولا سهلا، حتى لو حضرتم هربا من الموت الذي يتخطفكم في بلادكم.لقد صبرت الشعوب على الفشل والفساد والقهر، لكن بعضا من الحكام تعدى على حقهم في البقاء، فجعل حياتهم رحلة تحدي الموت أو حالة هرب من الموت عبر طرق الموت. صبرت الشعوب ممسكة بوطنيتها حافظة لها داخل جروح عميقة في عقولها ونفوسها، صبروا وثابروا وواصلوا الحياة، وحين طلبوا للكرامة، قررت نظم الحكم ونخب الفساد تغيير المعادلة. قالوا للشعوب لا حياة مع الكرامة، ومن أراد الكرامة فله الموت.هرب الناس من الوطن الذي لم يعرف المواطنة وذهبوا إلى لا وطن بحثا عن المواطنة، وذاك هو الدرس الثاني في كارثة الهرب واللجوء الجماعي. لا وطن ولا وطنية دون مواطنة.والأمر أن الناس لم تعد ترى في مثل تلك الأوطان ما يستحق البقاء له أو فيه، إذ ثمن البقاء هو الموت. والأمر أن الناس في تلك الأوطان لم تر ما رآه الشعب الفلسطيني في وطنه، وهو الذي لا يزال يقاوم لنحو القرن ولا يزال لاجئوه المكرهون على اللجوء في وضع الاستعداد للعودة. ولم تر ما رآه العراقيون في وطنهم وقت الاحتلال، وتلك كارثة الحروب الداخلية.فالحرب في مواجهة الاحتلال تثبت الناس في الأرض، تجعل منهم مقاومين أفذاذ، يقدمون أرواحهم لا يبرحون مساحة ميلادهم، أما الحروب الداخلية وظلم ذوي القربى فهي ما يدفع الناس للهرب وترك الوطن، خاصة إذا كان القتل على طريقة الجزار بشار أو الحشد الطائفي الإيراني ونوري المالكي السفاح في العراق.ذلك هو الدرس الثالث في محنة اللجوء والهروب الجماعي. فأهل العراق الذين فرغوا بالكاد من مقارعة أكبر قوة طاغية قاتلة عبر التاريخ حين بغت على أرضهم، هم أنفسهم من غادر بعضهم في هروب جماعي تحت حكم الطغاة الطائفيين في العراق!.والحال أن الهروب الجماعي لا شك ناتج ومؤشر على حالة من الهزيمة النفسية لدى البعض من الشعوب التي ناضلت وجاهدت لكي تعيش عزيزة على أرضها كريمة. وذاك وضع خطر الآن، وعلى القادة المؤمنين بأوطانهم حرية وكرامة ومقاومة أن يواجهوا تلك الآثار، فالقتلة من الحكام لاشك سعداء بما أنجزوا من تحويل بعض من الناس من المقاومة واللجوء في الجوار انتظارا للعودة إلى الهروب بلا عودة في بلاد الغرب. وذاك هو الدرس الرابع المهم والخطر في قضية الهروب الجماعي للسكان من بعض بلادنا. هو هروب ولجوء خلال حالات الثورة.والدرس الخامس أن الحكام الطاردين للسكان بالقتل والتهجير، أظهروا كيف هم في تحالف مع المستعمرين. فلم يكن اللجوء إلا نتيجة هذا التحالف. لا نقصد المعنى المتداعي إلى الذهن بأن ثمة توافقا على ترحيل المواطنين، ولكن القصد هو أن المستعمرين أصروا على بقاء الحكام ومنعوا من حاول إمداد الثوار بالقدرة على مواجهة وهزيمة الحكام، بل هم من عاملوا الثوار باعتبارهم إرهابيين، فانتهوا بالبلاد إلى وضعية توازن الموت الدائم على الأرض بين قوات النظام وقوات الثورة، حتى انتهى الحال بالناس بالهجرة إليهم.الغرب قرر استمرار من يقتل في سدة الحكم، وإن أدى ذلك إلى هروب جماعي للمواطنين في مأساة العصر.لم يسمحوا للثوار بتهجير فرد واحد هو الحاكم وسمحوا للحاكم بأن يهجر شعبا!.