10 سبتمبر 2025

تسجيل

شعب هزم جبروت إسرائيل

11 أغسطس 2024

جبار هو شعب غزة، لعل هذه هي العبارة التي جرت على لساني فور مشاهدتي لمقطع مصور لأحد الشباب الفلسطينيين في القطاع المدمر وهو يقول «رغم الحرب ورغم الدمار ورغم الإبادة إلا أنني قد اخترت من ارتضاها قلبي لي زوجة ورفيقة عمر» قبل أن يباشر هو وبعض من أفراد عائلته الذين بقوا على قيد الحياة بعد استشهاد والديه وبعض من أشقائه بالدخول لأنقاض بيت مدمر وسط آلاف من بيوت القطاع المدمرة بفعل الغارات الإسرائيلية الوحشية منذ أكثر من عشرة شهور متواصلة ويطلبوا خطبة إحدى الفتيات لهذا الشاب لتعقبها الزغاريد التي تخللها الترحم على أرواح الشهداء ويواصل هذا الشاب بث فرحته العارمة التي كانت تنطلق بعفوية منه رغم أصوات الطائرات التي توصف بكلمة (الزنّانة) تطير بشكل منتظم على مدار الساعة في سماء غزة. جبار هو شعب غزة الذي لم ينس أن يفرح وسط كل هذه الدموع ووسط كل هذا الكم من الشهداء ووسط كل هذه الدماء والدمار والفقد والوحشة والقصف والقتل والآلام والأنقاض والردم والجروح والموت المتربص أسفل كل حجر وخلف كل حائط وفي كل زاوية، هذا الشعب الذي لا يزال يفكر بزوايا الأمل كيف يجترها من مخابئها الضيقة ليشعر بالفرح بعدها مثل صاحبنا الشاب هذا الذي يريد أن يبني عائلة قد لا يمهله القدر لبنائها ولكنه يحلم بأن يكون له مستقبل مع زوجة تنجب له البنين والبنات بغض النظر إن كان هناك مستقبل للقطاع أم لا، وجبار هذا الشعب الذي رغم كل المذابح والمجازر والإبادة يفكر في أن يقيم لأبنائه عائلات وأولادا وإنه شعب يتكاثر بل يجب أن يتكاثر ليبقى الدم الفلسطيني جاريا لا يمكن لإسرائيل أن تقرر له انتهاء نسله وامتداده أبدا، وجبار هذا الشعب الذي لا يزال يبتسم ويفرح ويطلق زغاريده وكأن لا موت فيه ولا إبادة ويستطيع أن يرسم الفرح على من حوله بمجرد أن يبتسم الصغير فيهم والكبير، وجبار هذا الشعب الذي لم ينظر لكل المحاولات الدولية والإقليمية التي حوله لإيقاف آلة القتل الإسرائيلية من الاستمرار في الإبادة الجماعية العمياء التي تحصد يوميا عشرات من الأرواح الفلسطينية البريئة ولم يعد يعطي بالاً لموقف الحكومات العربية المتخاذل لأنه لم يعد يؤمن بأن للفلسطينيين أشقاء يقال لهم العرب، وجبار هذا الشعب الذي بات الصغير فيهم يرى موت أمه وأبيه وإخوته وعائلته ويكون مؤهلا بعد ذلك لتستمر هذه الحياة له من بعدهم دون الحاجة لرعاية صحية وعناية نفسية كما هو الحال عند الدول العربية والغربية في مثل هذه الظروف الصعبة جدا، ولذا إن كان لنا مدرسة عظيمة في هذه الحياة فإن شعب غزة مستشارون فيها ومعلمون وجهابذة علم فيها ونحن التلاميذ الذين نخيب فيها بلا شك، وعليه يبقى (الغزيون) شعباً جباراً يعلم الدنيا ومن عليها أنهم يفرحون حين تكون المصائب ملمة بهم ويفرحون حين تكون الدموع تصب من محاجرهم ويفرحون حين يجب أن يفرحوا لأنهم يعلموننا حين يجب أن نواسيهم ونعلمهم أن يتمسكوا بتلابيب الأمل التي باتت معلقة بين وقف لإطلاق نار أو مضي ليلة دون قصف أو انتهاء نهار دون شهداء أليس هذا هو شعب الجبارين ونحن شعوب المتخاذلين ؟! أليس هذا هو شعب لم ينتظر منا شيئا فإذا نحن ننتظر من حكومتنا أشياء لتفعلها له ؟! تحية لشعب غزة الجبار الذي هزم الجبروت الإسرائيلي بقوته وعزمه وفرحه يوم يموت.