10 سبتمبر 2025
تسجيلالانسان العربي هو الوحيد في هذا الكوكب الذي يراوده الحنين إلى الماضي التليد الذي يعتقد بأنه لن يعود يوما، فالذكريات الجميلة اجمل عزاء لمن ضاقت به الدنيا بمصائبها الكثيرة وحاصرته الدروب بدهاليزها المظلمة: ويعود ذلك إلى الحاضر العربي المؤلم والصعب والمثقل بالهزائم، والتحديات التي غطت السماء من المحيط إلى الخليج بغيومها السوداء واحزانها القاتمة، ذلك لكون اليوم ارخص دم في العالم هي دمائنا وما يحصل في بلاد العرب من قتل وانشقاق وخلافات لا تنتهي بين أبناء الأمة الواحدة خير دليل على مصائبنا من نكسات وهزائم بعضها نفسية والأخرى عسكرية. صحيح قد بزغ نجم العرب مرة واحدة في التاريخ فقط؛ بظهور الإسلام في الجزيرة العربية وتحديدا في مكة المكرمة ثم تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بعد أن شرفها الرسول الكريم محمد بن عبدالله بهجرته إليها، فقد كانت القبائل العربية تعيش في ضعف وخلافات وتشرذم بين نفوذ الامبراطوريتين الفارسية والرومانية مثل حالها اليوم، ولكن اعز الله العرب بالإسلام، وامتد نفوذ الدولة الإسلامية في عصرها الذهبي من الصين شرقا إلى الاندلس غربا، حيث أصبحت اللغة العربية هي لغة العلم في العالم كله، ولكن كما ذكر الفيلسوف العربي ومؤسس علم الاجتماع ابن خلدون، فإن المجتمعات والشعوب وأنظمة الحكم تشيخ وتزول عندما تصل إلى اعلى درجات الرفاهية والبذخ، فيصيبها الضعف والانحدار. وبالفعل تزامن انهيار الدولة العباسية التي كانت تحكم معظم شعوب العالم من بغداد بعد أن قضى عليها التتار بقيادة هولاكو، مع تساقط الدويلات العربية واحدة بعد الأخرى في الاندلس بسبب الخيانات التي أصبحت سمة للأمراء والحكام في الممالك العربية. ومنذ ذلك الحين لم يقم للعرب قائمة واصابهم الضعف واصبحوا اتباعا للأمم الأخرى، من المفارقات العجيبة أن يصفهم أي العرب كل من تعامل معهم من قادة العالم في القرون الاخيرة بالخيانة وعلى وجه الخصوص النخب السياسية والمسؤولين، ولعلنا الآن نشاهد يوميا كيف اصبح بعض من أبناء جلدتنا من العرب يصطفون مع الصهاينة ويساندون بني صهيون من المتطرفين والمتدينين من اليهود أمثال الثلاثي: نتنياهو وبن جفير وسماوتريش الذين يرددون سرا وجهرا وكل يوم بأن امنيتهم الأبدية هي ليس القضاء فقط على الفلسطينيين، بل أيضا على الجنس العربي ومحوه من الوجود، بينما يقوم بعض ضعفاء النفوس من المرتزقة في الأراضي المحتلة بخيانة الأمانة الوطنية وتزويد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خاصة الشاباك والموساد بالمعلومات التي تودي في كثير الأحيان إلى استشهاد مئات الأطفال والنساء من أهلهم واخوانهم في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك مقابل حفنة من الأموال الملطخة بدم الأبرياء. والسؤال المطروح الان: متى تستشعر الشعوب العربية وحكامها خطورة ما يحيط بالامة العربية من مؤامرات؟ الإجابة على هذا السؤال ليس بالامر السهل أو البسيط، ولكن ما يمكن الاسترشاد به وهو علم اليقين قول الله عز واجل في كتابه العزيز (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) . لقد حان الوقت لهذه الأمة العظيمة ان تنفض الغبار عن نفسها وتتناسى الخلافات وتصلح ذات البين وتدرك الدسائس التي تحاك لها من الأعداء الذين يعدون العدة لكي نبقى في مربع الضعف والذل والمحافظة على ذيل القائمة في هذا العالم الذي يتقدم كل يوم إلى اعلى المراتب، بينما نحن نتراجع على الدوام إلى الخلف. الحقيقة المرة التي يعرفها الجميع هي أن الانانية والسيطرة والرغبة العمياء لدى العرب في الاستحواذ على السلطة وأن كانت منقوضة في الأساس بسبب التدخل الأجنبي في شؤون العرب عبر القرون، وقبل ذلك كله حب المال والحنين للعيش في القصور والتفاخر لدى البعض بالمناصب؛ من أهم التحديات التي تواجه الأمة في هذا العصر. لا شك أن القرارات غير المدروسة والخيانات التي صاحبت تلك القرارات هي اهم المصائب التي اصابت الامة بمقتل بداية من وعد بلفور ومن تعاون من العرب مع بريطانيا في ذلك الوقت؛ ومرورا بنكسة حزيران ووصولا إلى حروب الخليج الثلاثة التي لا زلنا ندفع فواتيرها حتى اليوم ليس فقط في الخسائر البشرية وفقدان الاوطان والأموال بل أيضا في الامراض الفتاكة التي تسببت بها تلك الحروب وكذلك تفرق شمل الامة وازدياد الخلافات والانقسامات بين المواطنين في بلاد العرب. وفي الختام؛ الأنظار تتجه أكثر من أي وقت مضى نحو الحكام والنخب العربية المثقفة وأصحاب الحل والعقد من علماء الأمة؛ أن يدركوا بما لا يدع مجالا للشك؛ بأن ساعة التغيير قد حانت الآن، عليه لا مجال لنا جميعا إلا نبذ الخلافات واصلاح ذات البين، وترك الانانية وحب الذات. فلا يوجد طريق آخر أمامنا غير الاتحاد والالتزام بثوابت الأمة التي فيها النجاة والخلاص من الماضي المر والحاضر الذي لا يرضي عدوا ولا صديقا؛ فيراودنا طموحات مشروعة نحو غد مشرق ينتشلنا من القاع إلى القمة وغايتنا هي اعتلاء المكان الذي يليق بنا بين الأمم الحية والقوية، فالعالم اليوم يفتح ابوابه لكل من يعرف إلى أين هو ذاهب!