13 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا استهدفت سلطنة عمان؟!

21 يوليو 2024

العالم من أقصاه إلى أقصاه يشعر بالامتعاض والصدمة من العمل الإجرامي الأثيم الذي استهدف المصلين الأبرياء في مسجد الإمام علي كرم الله وجهه في الوادي الكبير بولاية مطرح، يوم الاثنين الماضي، لم يكن ذلك اليوم من الأيام العادية في تاريخ هذا البلد المبارك الذي ينبذ التطرف والإرهاب بكل اشكاله، لِمَ لا وعمان واحة السلام والوئام والتسامح ليس على مستوى الإقليم الذي يشهد توترات وقلاقل بين وقت وآخر، بل على مستوى العالم قاطبة، فقد سجلت سلطنة عمان صفر إرهاب طوال العقود الماضية، بفضل من الله وإخلص أبناء عمان وولائهم لله والوطن والسلطان، فلا يوجد في سجل المنظمات الارهابية عماني واحد على الاطلاق؛ بعكس بعض الدول التي كانت في حرب ضروس لحماية أبنائها من الانخراط في هذه العصابات المجرمة؛ بداية من القاعدة في عقدي السبعينيات والثمانينات من القرن الفائت ثم تنظيم داعش الإرهابي في عقد التسعينيات والالفية الجديدة، إذ إن هذه التنظيمات المظلمة زرعتها مخابرات أجنبية لاستهداف المسلمين وقتلهم بمجرد النطق بشهادة التوحيد؛ وكذلك الاساءة إلى الدين الحنيف مقابل الأموال تارة بالنسبة لقادة التنظيم، والتغرير بالشباب وغسل ادمغتهم باسم الجهاد المزيف في سبيل الشيطان تارة أخرى. صحيح هذه المرة نجح أصحاب الفكر التكفيري الضال بالوصول إلى المتورطين الثلاثة في حادث الوادي الكبير وهم يحملون الجنسية العمانية؛ كأول سابقة يشهدها هذا الوطن المتصالح مع مختلف شرائحة وطبقاته الاجتماعية، وهم إخوة خسرهم المجتمع العماني ووقعوا في براثن أعداء الحياة من المأجورين من خارج السلطنة، ونحن على ثقة تامة بأن تلك الجريمة ستكون المرة الأولى والأخيرة، وذلك ليقظة المواطنين وادراكهم لهذا المصاب الجلل وانعكاساته السلبية على سمعة السلطنة في الداخل والخارج؛ فعمان أرض السلام والمحبة وليس غابة للمتغطرسين والمضلل بهم من التظيمات الإرهابية التي تدار من أعداء الأمة. السؤال المطروح الآن، لماذا تم اختيار السلطنة لأول مرة لتكون مسرحا وميدانا لهذا العمل الإجرامي المنبوذ من جميع افراد المجتمع العماني؟ الإجابة على هذا السؤال تتمحور في القرارات السيادية لهذا البلد العزيز الذي يقف شامخا مع الحق والدفاع عن المظلومين؛ خاصة المواقف العمانية المشرفة من قضية فلسطين المحتلة والدعوة إلى محاكمة قادة الكيان الصهيوني على الجرائم التي اقترفوها في قطاع غزة كإبادة الأبرياء من النساء والاطفال، وكذلك رفض القيادة العمانية الاصطفاف مع الاخرين لصنع المؤامرات واشعال الفتن بين الأشقاء والجيران، فلا توجد أطماع أو اجندة سرية في القاموس السياسي العماني. ولعل نجاح عمان في إطفاء الحرائق والحروب في الإقليم، وتثمين معظم دول العالم حكمة القيادة العمانية في حل المشاكل، واحد من أهم الأسباب في اعتقادي لمثل هذه الأعمال التي يستنكرها ويدينها كل عماني شريف. لقد أسس سلاطين عمان الميامين بداية من السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - منذ فجر السبعين المبارك عند وضع الخطوط العريضة للدولة العصرية؛ ثم خليفته جلالة السلطان هيثم يحفظه الله الذي اسس النهضة العمانية المتجددة والذي ابهر القاصي والداني بعزيمته النادرة وشجاعته في بناء الدولة واستمرارية المشروع الوطني ووحدة المجتمع العماني تحت مظلة الوطن الواحد الذي لا يقبل القسمة على اثنين بل وطن واحد للجميع يعيش في رحابه المجتمع العماني الأصيل الذي هو مضرب للمثل للتعايش السلمي والتسامح بين المدارس الإسلامية الثلاثة المعروفة بـ (السنة والاباضية والشيعة). لا شك بأن أهم مكسب للسلطنة طوال العقود الماضية نجاح المشروع الوطني الذي يعتبر صمام الأمان للوحدة الوطنية بين مختلف أطياف هذا المجتمع المسالم والمحافظ على قيمه واخلاقه، فقد درست في جامعة السلطان قابوس عقودا طويلة وعملت ايضا في وظيفة عميد لشؤون الطلاب لعدد أكثر من 15 الف طالب وطالبة في تلك الجامعة العريقة المنوط بها إعداد القيادات المستقبلية لهذا البلد؛ وذلك قبل أكثر من عقد من الزمن ولم أعرف أو يخطر على بالي أو حتى جميع الطلبة في هذه الجامعة السؤال او البحث عن أي من تلك المذاهب أو المدارس الإسلامية التي قد ينتمون إليها هؤلاء الطلبة، بل نعيش جميعا في رحاب الإسلام الذي لا يعرف التفرقة بين أبنائه، فيجمعنا كتاب واحد هو القرآن الكريم وخاتم الأنبياء هو سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام؛ والولاء للقيادة العمانية التي يشهد لها العدو قبل الصديق بالحكمة والتسامح واحترام الإنسان اين ما وجد في هذا العالم مع اختلاف الأجناس والقوميات في هذا العالم، إذ إن عمان حكومة وشعبا يشار لهما بالبنان في احترام الغير مهما اختلفت وجهات النظر والمقاصد بين المجتمعات والشعوب التي تتعامل مع هذا البلد الطيب الذي قال عنه رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم أي عمان «لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك» هذه هي أخلاق كل من عاش على هذه الأرض الطيبة التي لا تقبل باي حال من الأحوال أن تزرع في تربتها النباتات الخبيثة والفتن والتحزب؛ نعم هذه هي عمان الشامخة التي فيها شعب مضروب فيه المثل في كل نواحي الحياة، وعلى الرغم من ذلك لم تغفل القيادة الحكيمة في هذا البلد؛ بناء جيش ومنظومة أمنية قوية متطورة لتكون الملاذ الآمن والعين الساهرة لحماية التراب الوطني المقدس، والمكتسبات الاقتصادية والتنموية التي يفتخر فيها كل عماني، وقد ظهر ذلك جليا خلال الاشتباكات والمواجهات بين المهاجمين المعتدين على بيوت الله؛ والقوات العمانية بمختلف تشكيلاتها وشرطة عمان السلطانية لاحتواء الموقف وتطويق المجرمين ومحاصرتهم والتقليل من الخسائر البشرية في هذا الحادث المؤلم للجميع. يجب التأكيد هنا بأن لا يوجد بلد في هذا العالم محمي وله حصانة من الأعمال الإرهابية والاجرامية التي تشهدها بعض دول المنطقة بل وحتى كوكبنا الصغير، فالاشرار وأصحاب النفوس الضعيفة يجنحون دائما إلى الشر واستباحة نفوس الآمنين. وفي الختام، أسجل هنا ومن على هذا المنبر؛ أحر التعازي للعمانيين جميعا، وكذلك لأسرة شهيد الوطن الرقيب يوسف الندابي من شرطة عمان السلطانية الذي ضحى بنفسه في سبيل الله والذود عن حياض الوطن، ونتضرع إلى الله أن يسكنه الفردوس الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصديقين، فهذا الاسم (يوسف) سوف يكتب بأحرف من نور ويخلد في ذاكرة التاريخ العماني المعاصر.