11 سبتمبر 2025
تسجيلهذا المقال ليس دعوة للاستسلام، بل دعوة لترميم روحك التي قد تتآكل بسبب الظروف المحيطة سواء كان لك يد فيها او لم يكن، فأكبر أزمة تواجهك عندما تنكسر هي أنك تريد أن تشطب انكسارك بصورة أبدية وترمم حائطك النفسى بطلاء كاذب يُخفي العيوب وتردم شقوق الروح بدون أن يظهر أي خدش وتُخفي تجاعيد حزنك بألوان زاهية في محاولة منك لتفادي البكاء والانكسار متخفياً خلف ضحكة بلهاء باردة ومزيفة. فقد قرأت عن مصطلح عبقري في اليابان وهو "الكينتسوجي" وهو في الواقع فن يتكون من ترميم الفخار المكسور بالذهب المصهور ولنكون أكثر دقة فهو مزيج من ورنيش وغبار الذهب أحياناً، حيث تترك عملية الاستعادة هذه القطعة المهشمة لقطعة ذات قيمة مثل الأصل، ولكني هنا قد أُسقط المعنى رمزياً على الأشخاص المنكسرين حيث يمكنهم التعلم بسهولة من هذه المواقف ليصبحوا أقوى وأكثر قيمة دون الخجل من الجروح المكشوفة والكسور المرئية بأن تُصلح انكسارك بألا تخدع نفسك وتنكر ماضيك وتكنس انكساراتك تحت طرف سجادة الخوف بل تجعلها كشعلة انتصاراتك. فالعالم ليس ورديا ولا أحد يعيش في عالم بلا أخطاء ولكن هناك حدود لا يمكن لك قبولها على نفسك عندما ترى أن الأمور بدأت تنجرف لما قد يتسبب بضرر على روحك ولستَ مُضطرًا للبقاء فالانسحاب خيار جيد وهو أفضل من أن تجد نفسك في معركة الرابح منها خاسر مهما كانت نتائجها فليس عليك خوض كل معركة بهذه الحياة، هناك معارك يجب أن لا تخوضها ومن أتعبتهم الحياة يجب أن يرتاحوا، فالاستمرار بالركض بلا جدوى لن يُغيّر حالًا ولن يستبق رزقاً، فكل شيء مُقدر زماناً ومكاناً والله وحده مُقسم الأرزاق وما لم تؤمن بهذا الأمر ستخسر كثيراً، لذلك توجه لله واعلم بأن الله لم يخلق عبداً ليتخلى عنه، فمواجهاتك التي خيبت أملك وتفاصيل حياتك التي استنزفت طاقتك، ثق بأنها ستضيئك ذات يوم وإن كنت منطفئا من الداخل وفقدت الحماس لمواصلة طريقك وستضيئك وستجعلك فيما بعد تحدد مكانتك وقيمتك. الإنسان منا يمر بالعديد من الصعاب والمشاكل التي تستنفد كما هائلا من طاقته، حينها امامه حلين لا ثالث لهما فإما الاستسلام لوضع قد يُدمر روحه وينهي حياته بالأمراض او الاستمرار والبحث عن مخرج بأقل الخسائر مستعيناً بطاقة الصبر على جميع أشكال الابتلاءات والصدمات والخيبات التي يتعرض لها، فلولا الصبر وانتظار الجزاء لفسدت الحياة، لذلك يحتاج الفرد إلى قوة في تحمل جميع تلك الأمور التي تعايش معها وقد يشعر في بعض المرات ببؤسها لكن الصبر هدية الوقت والتوكل والثقة وبالتالي العثور على السلام الداخلي. فالصبر وحده سيساعدك على ترميم روحك لكن ليس كسابق عهدك لأنه سيغيرك وسيجدد شخصيتك التي تحاكي واقعك وسيعلمك العزة والامتنان وسيخبرك انك أعمق من تلك الصورة التي في مخيلتك وأنك أكثر قوة وستعي حينها أن هناك ضريبة تدفعها لتصبح شخصا آخر لا يعاني الخوف والتوتر والقلق وأكثر انسحابا من المكان الذي لا تجد فيه تقديراً لنفسك، الصبر سيعلمك أن تكون شخصا متوكلا لا يقترب أو يندفع بمشاعره أو يعطي أو يثق بأشخاص آخرين بكل سهولة لتصبح هادئا رزيناً لا تكره ولا تغضب ولا تنزعج ولا تنافق أو تجامل على حساب نفسك وسيقومك ويجعلك تتحكم في إرادة التحمل لديك، فيكفي أن من خلاله لن تشعر باليأس أو التخلي ولن تكون بحاجة لمن يسمعك أو يؤمن بك وبمصائبك ومشاكلك فالله عز وجل معك، لذلك يعتبر الصبر جانبا من الجوانب الأساسية والمهمة لاستكشاف التفكير الملهم العميق. واذا كنت قد كتبت أولا ان هذا المقال ليس دعوة للاستسلام فأنا ايضاً لا انكر ان هناك اوقاتا تختنق فيها انفاسنا رغم اتساع الأماكن وكأننا في متاهة بلا مخرج، فإلى كل الذين شاخت ارواحهم اقول لا تنتظروا ان يتغير الواقع بمفرده بل غيروا انفسكم لتتغير حياتكم للأفضل، وليكن الأمل بالله زاد رحلتكم، فمهما شاخت الروح فالله وحده يعيد ترميمها بذكره الطيب ونفسياً فإن من ينجح في ترميم روحه، لا يعود كسابق عهده. أخيراً.. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: فما نَيْلُ المطالبِ بالتمنِّي * ولكن تُؤخَذُ الدُّنيا غلابَا [email protected]