23 سبتمبر 2025

تسجيل

عيد يأتي وآخر يرحل.. ومازلنا نحلم

11 أغسطس 2019

كنّا لا نتمنى أن نعيد ونكرّر كل عام قول الشاعر المتنبي حين هروبه من مصر وصادف ليلة عيد الأضحى واصفا فيها نفسه التي امتلأت بالهموم والأحزان، سائلاً العيد " بأي حال عدّت ياعيد..بما مضى فيك تجديد ".. فحالنا الآن لا يختلف عن حال ما حمله المتنبي من هموم بل تجاوزت وازدادت فقلوبنا مثقلة وأفكارنا مشوّشة بما أصابنا من وهن وعجز وبما حلّ علينا من آلام وأحزان، كنا نتمنى كل عام أن ينقشع غبارها من أجوائنا وقلوبنا ليكون عيدنا ليس كالأعياد السابقة يقتلعنا مما نحن فيه، ونستشعر فيه بمباهج الفرح، وينقلنا الى عالم آخر من البهجة والمحبة والتآلف عند استقباله ومعايشة مشاعره كما كانت فرحتنا باستقباله من قبل بقلوب صافية مطمئنة بين الأفراد والأخوة، بين تلاحم الشعوب والدول، فتقام مشاعره اقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تتصافح الأيادي بالسلام كما تتصافح القلوب بعد الجفاء، وتصدح المساجد بالتهليل والتكبير ويتوافد المصلون اليها زرافات وكأنهم في سباق ماراثوني، عُدّت ياعيد هذا العام وقلوبنا مازالت متوشحة بلمسات من الحزن والألم على واقعنا العربي والاسلامي نتيجة ما أصاب دوله من انقسامات ونزاعات وحروب ومذابح بشرية تتساقط أشلاؤها بدمائها، كما تساقطت حضاراتها وثقافاتها وتاريخها من اليمن السعيد التي مازالت الى اليوم في أوتون نيران الصواريخ، الى العراق الحضارة، ومن سوريا بلد الرافدين الى فلسطين مسرى النبي لتصبح هباء منثوراً، وجماجم أطفال تناثرت على أراضيها، لتحكي للعالميْن العربي والاسلامي الصامتين وهما يستقبلان قدوم عيد الأضحى رواية لا نهاية من الظلم واليأس التي تمر بها شعوبهما جراء سياسات حمقاء ظالمة. وتذكرنا بقوله تعالى "إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لكُم" فمن منا لم تذرف عيناه حين يرى صورة طفل بعيون جاحظة دامعة ويائسة تنظر بعين الشفقة والرحمة والأمل لمن ينتزعه من شبح الفقر والجوع والألم والخوف، ليعيش كغيره من أطفال العالم بسلام وأمن محتفلا مع ذويه بعيد الأضحى المبارك حاملا بين كفيه هدية العيد مبتسما لقدومه، وصوت التكبير والتهليل يمتزج ببكائه وأنينه على ما يستشعر فيه من جراحات عميقة تغلغلت في جسده، تخللهما أصوات المدافع والصواريخ تقتحم الأراضي والأجواء التي يعيش ترابها ويلتحف سماءها، وتخلف وراءها الآلاف من الجثث والجرحى والمشردّين واليتامى وأمام عينيه يتساقطون، فبأي عيد يعود العيد وكل عام نتباكى على أحوالنا التي لم تجد لها مخرجا ولا مَنفذاً ولا مُنقذاً مِمَن لا يخشى الله من أهل الساسة ومن الحكماء. فلننظر ما يجول أمامنا سوريا تنزف، قطر محاصرة، السودان في هرج ومرج، العراق مشتتة، ليبيا في مفترق الطرق، اليمن تعاني الأمرّين الجوع والفقر، ومازالت تلك الأزمات قائمة دون حلول، فبأي حال يعود وكل عام نستشعر بغربته حين يزداد المسير والنزوح ويشّد الرحال عنه الى دول غريبة في المفاهيم والقيم والعادات لا تدرك قدسية أعيادنا وقيمتها الربّانية، ووضعت تلك المفاهيم الجميلة في حقائب السفر بعيدة عن أوطانها بهدف السياحة، فأين صلة الرحم ! وأين صلاة العيد ! أين الأضاحي المشروعة ! كيف تتعلم الأجيال القادمة أن للعيد مناسكه وشعائره يجب احترامها والعمل بها، كيف يعود العيد لرونقه على ما كان عليه حين كانت القلوب والشعوب والدول في ألفة وتلاحم واستقرار وصفاء. حين كان هناك معتصم يسمع بكاء طفل، ويمسح دمعة يتيم، ويهّب لصراخ امرأة ثكلى، وأنين رجل مُسن، حين لم يكن هناك من يسرق بسمة طفل برئ مازال لم يدرك ما معنى الحروب والحدود والفواصل والحصار والمنع والأغلال والمعتقلات، حين كانت الأمة الاسلامية والعربية كالجسد الواحد اذا اشتكى منها عضو تداعى لها سائر الجسد.. وبالرغم مما نحن فيه إلا أن العيد يبقى له رونقه وفرحه وجديده وقدسيته كما له مشاعره الدينية يجب ممارستها وجوبيا، اقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكل عام والأمة الاسلامية بخير،أعاده الله علينا بأحسن حال لننسى قول المتنبي " بأي حال عدت يا عيد، ونردّد: ما قاله الشاعر إليا أبوماضي: يا شاعر هذي روعة العيد.. فاستجد الوحي واهتف بالأناشيد وكما قال جبران خليل جبران: هلّ الهلال فحيّوا طالع العيد... حيوّا البشير بتحقيق المواعيد لله في الخلق آيات وأعجبنا... تجديد روعتها في كل تجديد [email protected]