20 سبتمبر 2025
تسجيللسنوات ووسائل التواصل الاجتماعي تفرض سطوتها وهيبتها على صناعة الإعلام والرأي العام، ولا أدلّ على ذلك من دفع إيلون ماسك لـ 44 مليار دولار في صفقة هدفت للاستحواذ على منصة تويتر، واستعداد أمريكا منذ الآن لمواجهة حملة تضليل إعلامية قد تتعرض لها انتخاباتها في العام المقبل على غرار ما حصل لانتخاباتها الأخيرة، والتي أُتهمت روسيا حينها بالتدخل فيها. لم يعد الصحفي أو الإعلامي المهني من يصيغ مهنته، وحرفته، بعد أن باتت المهنة في أيدي أرباب المال والأعمال، وبعد أن تحوّل شخص مثل مارك زوكنبرغ إلى ميردوخ بقوة مضاعفة، حيث بات يسيطر اليوم على بيانات ضخمة للمستخدمين ضمن شركته الضخمة «ميتا» والتي تضم الفيس بوك والانستغرام والواتس آب، واليوم ثريدز، فيضعها في بازار البيع السياسي والاستخباراتي والسوق المالي، وهو ما سبق وأن كشفت عنه تحقيقات كامبريدج أناليتكا عام 2018. المعركة العلنية التي ظهرت بين مالكي تويتر وثريدز، وصلت إلى مستويات هابطة من حيث اللغة المستخدمة، لكن في جوهرها وحقيقتها كما يراها البعض إنما هي معركة على انتخابات أمريكا المقبلة، فماسك لم يخف قناعته منذ اليوم الأول لشرائه تويتر بأن ذلك يهدف إلى الحد من سيطرة الليبراليين على وسائل الإعلام، ويعتقد الكثير أن ماسك يدعم المرشح الأمريكي دونالد ترمب، بينما يدعم زوكنبرغ منافسه، الأمر الذي يعني احتدام المعركة السياسية بين الطرفين لكن بقفازات الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي. حالة التخبط التي وقع فيها ماسك بقراراته الارتجالية المتخبطة في إدارة تويتر، وهو الذي يفتقر إلى إدارة هكذا منصات إعلامية، كونه قادما من سوق السيارات الكهربائية وأشباهها، بخلاف منافسه زوكنبرغ، الذي استغلها بشكل حذق وذكي، فقد أقدم ماسك على تسريح الآلاف من الموظفين من المنصة، وسحب المعلنون إعلاناتهم من على موقع التويتر، ضاعفها تراجع ثقة المستخدمين في المنصة إثر قرارات ماسك المتخبطة، والتي كان آخرها تحديد عدد التغريدات التي يقرأها المستخدم، وقبلها فرض مبلغاً مالياً على نيل شارة التوثيق الزرقاء. هذا الواقع دفع شخصية متربصة بتويتر منذ فترة طويلة، ويعرف تماماً أهميتها وتأثيرها، إلى توظيف من سرّحهم ماسك في منصته الجديدة، وبغض النظر عن عدم قدرتها حتى الآن على مجاراة منصة تويتر من حيث الخدمات التي تقدمها الأخيرة، ولكن بكل تأكيد فإن هذه الأعداد الضخمة من الموظفين الذين تم استقطابهم يعرفون الخلطة السحرية لتويتر وقادرون على تطويرها وتنميتها بشكل قد يضاهي تويتر نفسه. المؤشرات الأولية لانطلاقة ثريدز كانت لافتة ومشجعة لأصحابها. ومُحبطة لخصومها، ففي الساعات الثلاث الأولى وصل عدد مشتركي المنصة إلى 30 مليون متابع، بينما تخطت المائة مليون متابع في الأيام الثلاثة الأولى من استخدامها، وهو الأمر الذي لم يسبق أن حصل لعالم المنصات الرقمية، وإن كان ذلك قد ردّ عليه ماسك بقوله إن مستخدمي الانستغرام هم من دخل إلى ثريدز وليس غيرهم كون التطبيق الجديد مرتبطا بتطبيق انستغرام. لقد باتت المهنة الإعلامية أسيرة المال بشكل فج وفاضح، وباتت شركات الإعلام القابضة على روح الإعلام والرأي العام، بعيدة كل البعد عن أصحابها الحقيقيين وهم الإعلاميون، وبات قول الشاعر العربي يصدق بشكل دقيق عليها.. ويُقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستشهدون وهم شهود والحل بتداعي أصحاب المهنة الحقيقية لدرس الواقع والأسباب التي أدت إلى ما وصلت إليه اليوم، وتقديم الاقتراحات الإبداعية للخروج من أزمة حقيقية لن يعاني منها الإعلام فحسب، وإنما ستعاني منها البشرية على الصعد كافة، ما دام الإعلام هو الذي يلعب الدور الأساسي في تشكيل الرأي العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وغيره.