20 سبتمبر 2025

تسجيل

إعلام دون كيشوت

11 يوليو 2021

هناك فارق جوهري عندما نستنسخ البرامج الحوارية والتلفزيونية الغربية أو نقلد طريقة أصحابها في التقديم. هذا الفارق يتضح في أساس ومصدر الجرأة وتمكن المذيع أو المقدم وثقته في نفسه وصلابة الأرض القانونية التي يرتكز عليها الطرفان. فالبرامج الحوارية التلفزيونية ذات النبرة العالية والأسئلة الاختراقية مثل هارد توك أو كروس فاير السابق أو برنامج لاري كينج هم في الأساس إفراز لتطور السلطة الرابعة، في تلك الدول والجميع يعلم أن هذا المصطلح يطلق على الصحافة ووسائل الإعلام الحرة والمستقلة. والجميع كذلك يدرك صلابة البناء الديمقراطي الحر الذي تقوم عليه الأنظمة هناك. حيث وجود الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، فالأرضية هناك مهيأة تماماً لقيام الحوار الصريح والمباشر، فالقضية ليست افتعالا بقدر ما هي تطور طبيعي مرتبط بجذوره وأساســــــه القانوني والدستوري. على الجانب المقابل الذي يحدث عندنا هو انقلاب الصورة، ففي ظل التدفق الإعلامي الذي يشهده العالم وانسياب المعلومة بشكل لا حدود له والتطور الكبير في وسائل نقلها جرى ويجري استنساخ إفرازات تطور السلطة الرابعة، هناك محاولة زرعها في أرض لم تهيأ بعد قانونياً ولا دستورياً ولم تتطور بعد التطور السياسي المرجو، فالسلطات الثلاث لا تزال مدمجة في بعضها البعض وصورية إلى حد كبير، فتخرج النتائج مشوهة ومبتورة وربما تزيد من شقة الخلاف والصراع وتبقى في أحسن صورها صراخا يتعالى ثم يرتد، وتبدو الأمور وكأنها تأخذ الطابع الشخصي الصرف وتصفية الحسابات وحروب بالوكالة. حتى إقامة القنوات الفضائية ذات المساحة الكبيرة من الحرية في حاجة تامة وماسة إلى الأرضية الدستورية الصالحة لكي تؤدي وظيفتها ولا تتحول إلى أداة للخصومة والعراك لعدم وجود مثل هذه الأرضية ويصبح أفرادها مطاردين أو متهمين بإثارة النعرات والخصومات. ولا يكفي فقط استيراد أفضل المقدمين الذين تتلمذوا في أحضان التجربة الإعلامية في الغرب لكي تكون النتائج مشابهة أو مطابقة لما يمكن أن تحدثه هناك. فالقضية أعمق من ذلك في بنية المجتمع والدولة، فالفرق بين الإفراز الحقيقي والتقليد والاستنساخ هو أن الأول له جذوره الذي يستسقي منها بقاءه والثاني إسقاط من فوق لا يلبث حتى يزول وأن أعجب المشاهدين بريقه. [email protected]