13 أكتوبر 2025

تسجيل

تمرد وجنون!

11 يوليو 2019

عندما نتأمل عالم الأطفال عبر تصرفاتهم وردود أفعالهم، بصياحهم وصراخهم، وكلامهم وحروفهم المنطلقة بكل عفويةٍ واسترسالٍ وصدقٍ على مواقف أو رفضٍ لم يرق لهم؛ تعبيرٍ ورسالةٍ ينقلون خلالها جُملاً وكلمات لما زار نفوسهم وأقلق طمأنينة وسكون بحر نفوسهم الهادئ الساكن، جراء تصرفات وسلوك عالم الكبار.. الذي رمى بحجارة كلماته وسلوكه.. ليربك ويحرك سكون بحرهم الهادئ.. لتثور أمواج نفوسهم ومشاعرهم عبر ردود فعلٍ عفوية تترجم صدق طفولتهم وأرواحهم البريئة الشفافة النقية. يتمنى الفرد منا أن تكون له القدرة والعفوية التي لدى الأطفال، وأن يعود طفلا أو يحفظ هذا الطفل بكيانه ومراحل عمره.. ليعبر عن رفضه وعما أقلق بحر هدوء نفسه من حركات سفنٍ بشريةٍ عبرت محيط روحه دون سابق إنذار وتصريح..! عبرت عنوةً وفجأةً محملةً بما يثقلها من كم أشكال المشاعر المتلونة والسلبية !. نتأمل أرواح البشر.. نجد أن بداخل كل إنسانٍ "مجموعة إنسان" من طفل صغير عابق بين ثنايا روحه خائف وصامت وبرئ، إلى روح شاب طموح مندفع جرئ، إلى ذلك الشيخٍ المنزوي هناك بصمت حكمة ورؤية بعيد.. فكل إنسانٍ تسكنه ثلاث أرواح وشخصيات تتحرر منه وتنطلق وتعبر عنه وقتما يريد. في أوقاتٍ ولحظاتٍ كثيرةٍ.. يحتاج الفرد إلى جانب الشخصيات الثلاث التي تسكن روحه؛ يحتاج إلى شكل آخر من السلوك يحتاج إلى ممارسة شكل من أشكال الجنون والتمرد كي يمارسها ويعيشها للحظات.. يحتاج إلى رداء الجنون العاقل.. كي ننتشل أرواحنا من جنون عقول وأرواح بشر قد تدفعنا أرواحهم وتصرفاتهم إلى جنون دائم وداء لا دواء له! نحتاج إلى جنونٍ وتمرد بأشكال وصور عديدة ممكنة.. خلالها نسمح بالتنفس والبوح بحالات الضيق والرفض التي قد تزور الإنسان. أشكال الجنون والتمرد كثيرة جداً.. والأشكال المعقولة والصحية من الجنون.. هناك في العلاج و الطب النفسي علاج لبعض الحالات العصبية أو حالات الغضب والرفض، وقد يلجأ الإنسان إلى كسر مجموعة من الأطباق من خلالها ينفس عما يعتريه من مشاعر غاضبة ناقمة سلبية، ولهذه الحالات هناك محلات خاصة في دول أوروبية لبيع هذه الأطباق وبأسعار زهيدة ليحملها الإنسان ويكسرها متى شاء أو أن يكسرها في المحل نفسه إن شاء.. أو أن يلجأ الإنسان إلى الصراخ بأعلى صوته، وحالة الصراخ والبوح هذه لا تكون إلا في مكان يسمح له بالصراخ كأن يكون على شاطئ البحر أو في غرفته أو أي مكان لا يضج بالبشر ويخلو من وجوه وآذان تسمعه أو يلجأ إلى الكتابة ليعبر عما يسكن نفسه من كلام وأحاسيس ومشاعر غاضبة ويمزق تلك الأوراق!. يمارس الإنسان في التمرد والجنون شكلا من أشكال الجرد السنوي أو اليومي للروح مما اعتراها من تراكمات عجزت الروح عن التعبير عنها وحلها أو رفضها. في عالم الطفولة لا نحتاج إلى تفكير وتمحيص وتنسيق وتبرير لأقوالنا وأفعالنا.. هي تكون كما تظهر وتكون.. والطفل في أرواحنا يظل لأوقات كثيرة هو المسيطر على شخصياتنا وحياتنا وتحركنا، نتركه يمارس حريته مع البشر بكل عفوية. ولكن تظل أرواح بعض البشر دوماً مستنكرة ورافضة السلوك الإنساني الذي لا يروق لها.. لتلجأ إلى القيل والقال لأي تصرفٍ لا يعجبها حتى وإن لم يمسها أو يعطل مسيرتها، ولكن ماذا نقول لعقول بعض البشر وتفكيرها القاصر؟. آخر جرة قلم: طفولة، شباب، و كهولة، تمرد وجنون.. مراحل عديدة.. وأحوال كثيرة.. تسكن وتزور روح الإنسان، تظل المشكلة أن عجز الطفل عن الانطلاق والكلام ! ولم يجد الشاب متنافساً للتعبير ومجالا للطموح والحماس! ولا تجد الشيخوخة التقدير والالتفات والانصات والاهتمام! ليبحث الإنسان عن مساحة أخرى للتعبير والتمرد والجنون والانطلاق.. ليترك حيز الإنسان.. بمراحله المختلفة الساكنة روحه جانبا، ليعيش ويكون بحالة تمرد خاصة يمارس خلالها شكلا من أشكال التنقية والطهارة والتصفية لروحه بما اعتراها ولازمها وزارها من متغيرات وشوائب وسلوكيات بشرية ومنغصات.. اقتحمت عنوة سكون روحه وهدوء حياته! اقتحمت بالألوان متناقضة غير متجانسةِ.. لترسم بريشة عشوائية عفوية شخبطات وصوراً وحروف على جدار روحه، تتلاشى وتمحى ولا يكون لها أثر وندوب على روحه. ليعود ويبقى ذلك الإنسان.. المتحرك المنطلق حينا، العاجز الساكن العابق بركن وظل حينا آخر والطفل الدائم.. ويبقى ويعود بمجموعة رائعة من مجموعة إنسان.   [email protected]