16 سبتمبر 2025
تسجيللم يشهد التاريخ الإسلامي، منذ بعثة النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وحتى منذ أيام الجاهلية، وقبلها عندما أقام سيدنا إبراهيم عليه السلام البيت العتيق، أن منعَ أحدُهم حاجًا من زيارة بيت الله الحرام. وحتى في القرآن الكريم يوجد أمرٌ إلهي لسيدنا إبراهيم عليه السلام: " وأَذِّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالًا وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق" آية 27 سورة الحج. كما أن منع الحجاج القطريين والمقيمين على أرض قطر من أداء مناسك الحج مُخالفة لنصٍ قرآني آخر، هو: "فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم"، آية 37 — سورة إبراهيم. بمعنى الحنين لرؤية الكعبة المشرفة، والطواف حولها. والذي يمنع تَحقُّق ذلك الحنين والرؤية لا شكَّ مخالفٌ للنص القرآني. ولم يحدث في التاريخ أن حُرمَ حُجاجٌ من زيارة أماكنهم المقدسة، لأن في ذلك مخالفة ليس فقط لنصوص الكتب المقدسة، بل مخالفة للمواثيق الدولية التي تُعنى بحرية اعتناق الأديان وإقامة الشعائر الدينية، وقد نستثني الكيانَ الصهيوني من هذا، عندما تقوم قواتُ الاحتلال الإسرائيلي بمنع المصلين المسلمين — من أبناء فلسطين — في بيت المقدس. فكيف لا يغضب العالم عندما تقوم السلطات في المملكة العربية السعودية بمنع الحجاج القطريين والمقيمين من المسلمين في قطر من أداء شعيرة من شعائر الإسلام، وهو الركن الخامس! وكيف يسكت علماءُ السعودية على هذا المنع المُخالف للشريعة، والذي يُعتبر تدخّلًا في شأن العبادة بين الإنسان وخالقه، بل وإساءةً لكُلِّ الحجاج القطريين والمقيمين في قطر — كبشر — تضمن لهم القوانينُ الدولية حقَّهم في أداء مناسكهم، دون وصاية أو إذن من أية سلطة، وقد منحهم اللهُ هذه السلطة كونهُم مسلمين. كما وردت مقارنةٌ عجيبة — في القرآن الكريم — عندما زعمَ المشركون أن عمارة بيت الله والقيام على السقاية خيرٌ من الإيمان والجهاد، حيث نزلت الأية الكريمة " أجعلتم سقايةَ الحاج وعمارةَ المسجد الحرام كَمن آمن بالله واليوم الآخر" آية 19 — سورة التوبة. بمعنى أن الإيمان بالله واليوم الآخر خيرٌ من صيانة بيت الله وتجميره. أي أن هذه الصيانة والعمليات الإشرافية التي تقوم به السلطات في المملكة العربية السعودية، لا تضاهي حقَّ المُسلم في إيمانه بالله واليوم الآخر، وجزء من هذا الإيمان وصولهُ إلى بيت الله الحرام وأداؤهُ لمناسك الحج. والغريب في قضية منع الحجاج القطريين ومقيمي قطر من أداء مناسكهم في الديار المقدسة، هو تلك الدعاية الإعلامية التي تُضخُّ من وسائل الإعلام السعودية التي "تُرحب" بمَقدم الحجاج القطريين، وتتباهى بتقديم الخدمات "الجليلة" لهم، في الوقت الذي لا تستجيبُ سلطاتُ الحج في السعودية لدعوات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية لترتيب حج القطريين والمقيمين في قطر، وعلى إرسال بعثة الحج القطرية، أسوةً بكل البعثات من كافة أنحاء العالم. وفي ظل عدم وجود بعثة حج قطرية ترعى صحة وأمن الحجاج القطريين والقادمين من قطر، لا يمكن أن يُخاطر أيُّ حاجٍ بحياته، اتّباعًا للدعاية الإعلامية لتلك الوسائل، بينما الواقع يُخالف ذلك. وكما قال بعض المُغردين القطريين: بأن حياة الحاج القطري، ستكون في خطر، ويُمكن تلفيقُ أيةٍ تُهمة لأيِّ مواطن قطري وبالتالي اعتقاله، والله يعلم بمصيره بعد ذلك. إن قيام السلطات في المملكة العربية السعودية بتسيّسِ الحج سابقةٌ خطيرة في التاريخ الإسلامي، واتجاهٌ عبثي لا ينمّ عن رجاحةِ عقل، ولا يمثّل سماحةَ الدين الحنيف، وهو تغافلٌ عن القيم الروحية والإنسانية لمقصد الحج، كمؤتمر لجميع المسلمين على كلمة ( لا إله إلا الله، محمد رسول الله) وهو وسيلة للتقرب إلى الله، وتعارف المسلمين مع بعضهم البعض. لقد اختلفت حكوماتٌ متعددة مع بعضها البعض، بل ولقد نشبت حروبٌ ضروس بين بعض البلدان، في شرق العالم وغربه، ولكن لم يؤدِ ذلك إلى إدخال العقيدة وشعائرها في تلك الحروب، إن (الفاتيكان) مثلًا لم يُدخل تقلبات السياسية في أوروبا وحروبها المُستعرة ضد بعضها البعض في شأن الدين، ولم تقم سلطات (الفاتيكان) بمنع الحجاج من الحضور وأداء مناسكهم! وكذلك الحال في آسيا، حيث تنتصبُ المساجدُ جنبًا إلى جنب مع الكنائس والمعابد البوذية، ومهما تعددت أشكالُ وتوجهاتُ الحكومات، سواء في الهند أو تايلند، أو فيتنام، فإن الدين شأنٌ إنساني، وهو شأن خاص بالإنسان وطريقة نظرته للحياة. ومن هنا، فإن ما قامت به السلطات السعودية، من إدخال شعائر الحج في مسألة حصارها، والإمارت والبحرين ومصر، في الشأن السياسي لا مبرر له، وهو خروجٌ، ليس على أوامر الله سبحانه وتعالى، بل إنه خروجٌ على كل أدبيات العروبة، والإسلام، والمصير المشترك، ووحدة الدم، والانتماء، والكرم، ونجدة الملهوف، ووفادة المضيوم. كما أن التصريحات الإعلامية غير المحبوكة بطريقة إعلامية سليمة، تكشفُ زيفَ اللعبة الإعلامية، التي تحاول " تشويش" الرأي العام العالمي، والإسلامي على الخصوص، عن حقيقة موقف السلطات السعودية من منع الحجاج القطريين والمقيمين في قطر من أداء مناسكهم، كما أمرهم الله تعالى، وهو إجراءٌ مُخالف لقيم خدمة الحرمين الشريفين، ومسؤولية المملكة عن الحجاج ورعايتهم وأمنهم. وإذا كان حجاج قطر والمقيمين فيها قد حُرموا من نعمة الحج في العام الماضي، فقد كان أولى بعلماء السعودية تقديمَ وجهةِ نظرهم في هذا الشأن، بكل صراحة ومسؤولية، لأنهم مُحاسَبون أمام الله في يوم من الأيام، وأن تقوم السلطات السعودية بدراسة الموقف من الناحية الدينية، وتعديل المسار الخاطئ في ذلك، وإصدارِ بياناتٍ جدِّية لتسهيل حج القطريين والمقيمين في قطر هذا العام، ولعل أولى الاجراءات البناءة — في هذا المقام — الردّ على دعوات وزراة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر، حول مسألة الحج، والترحيب ببعثة الحج القطرية، وتسهيل مهمتها الإنسانية، وكذلك السماح للخطوط الجوية القطرية بنقل الحجاج من دولة قطر إلى جدة، وتسهيل إجراءات الحجاج القطريين والمقيمين في قطر لتأمين وصولهم إلى الشعائر المقدسة. هذا هو الإجراء الحق والنبيل لِمَن يقوم على إدارة الديار المقدسة، وهو دعوة عن استمرار استمراء الضلالة، واستمراء الاتساق مع دعوات الشيطان، بعيدًا عن هداية الرحمن.