27 أكتوبر 2025
تسجيلولم لا؟ هل يرضيك مثلاً أن تكون ظلاً للآخرين أو تعيش في جلبابهم وتسير في أحذيتهم لا ترى حين ترى فيهم إلا نفسك نسخة مكررة عن نسخ باهتة؟ ما هذه الحياة المملة التي لا تستحق أن تعاش ، إذا كان مفهوماً من حياة القطيع في الأدغال أن يتشابه إلى حد التطابق فلأن ذلك يحقق له الفائدة وهي تشتيت نظر المفترس كسباً للوقت من أجل النجاة، وهو هدف يستحق هذا الثمن الباهظ من عدم التفرد ؛ لأن الحيوان له مجرد وجود، أما الإنسان فهو فوق أنه موجود هو نائب عن الله واجب الوجود، وحامل رسالة تنيط به مهمة تحسين الوجود. إن المجتمع الذي يسحق الفرد ليحيله إلى ترس في آلته الضخمة هو مجتمع يعمل ضد نفسه ويتبرع بمهمة تدمير نفسه نيابة عن عدوه . لا يُنظر لقوة المجتمعات باعتبار الميزان التجاري وحجم الصادرات من الواردات بل بقدرته على الاستثمار الهادف لتنوع أفراده الإثني والعرقي والديني والثقافي، وعلى العكس من ذلك، المجتمع الذي يعوزه التنوع يصعب بقاؤه. إن الفهد الصياد والدببة القطبية على قائمة الأحياء المهددة بالانقراض، وما ذلك إلا لأنها أكثر الأحياء انعزالاً وأشدها رفضاً للتنوع، هنالك أربعة نماذج تلقي بظلال بالغة على أهمية التنوع هي الصين والهند والعرب وأوروبا فتوصف الصين بأنها حكومة قوية ومجتمع ضعيف، بينما توصف الهند بأنها على العكس من ذلك، حكومة ضعيفة ومجتمع قوي ، وأما أوربا فجمعت بين الميزتين، حكومات قوية ومجتمعات قوية، أما العرب فلا نصيب لها من إحدى الحسنيين بل جمعت كلتا السوأتين؛ حيث الحكومات ضعيفة والمجتمعات أكثر وهناً، وليس ذلك لضعف موقع أو هشاشة موضع بل الموقع والموضع شاهدان على مصادر قوة العرب بل لمحاربة التنوع في مجتمعاتنا، ومع ذلك فالعبور إلى المستقبل سهل والثمن بسيط، وهو أن نقطع مع حاضرنا البائس، ونعيد الاعتبار للتنوع الموجود بيننا والذي سيربح منه الجميع ولن يخسر منه أحد. إن كل فكرة تظل مجرد فكرة ما لم تتلاقح مع فكرة أخرى، وليس وصولاً لعملية جمع حاصلها فكرتين بل نهر هادر من الأفكار، تماماً كما تقف بين مرآتين هل ترى شخصين أم ترى عددا من الأشخاص بمد البصر؟ وتفعل الفكرتان على اختلافها ما تفعله مرآتان على ابتعادهما إحداهما تعدد الشخوص وتعمق الرؤية والأخرى تنير البصائر وتحرر الضمائر. إن إبليس لم يمنح فقط فرصة الاعتراض بل أكثر من ذلك أعطي حق النشر بالمجان في الجريدة الرسمية على تهافت حجته. إن إبليس ـ تجلت حكمة الباري ـ لم يخلق لإخراج الناس من الجنة إلى الجحيم بل ليكشف لنا أولائك الذين زهدوا في الجنة واختاروا الجحيم . إن العقائد كالملابس، تبلى مع طول الأمد وكثرة الاعتلاق وأكثر ما تبلى العقائد عند معتنقيها وعندما يحين الوقت ينادي لسان الكون في العالم: أعيدوا التثوير، وهنا يبرز مصلحون وأبالسة وحتى حين يغلب أبالسة الرأي أحيانا ويسودون الميدان لا تقلق، فلن يُصرع على أيديهم إلا كل مصروع، وأيضاً سيولد على أيديهم في الإيمان آخرون. فكروا تصحوا