14 سبتمبر 2025

تسجيل

غزة: توازن رعب مختلف!

11 يوليو 2014

تفرض المعركة الفلسطينية – الإسرائيلية الجارية معادلات جديدة للصراع، على صعيد توازن الرعب الذي طالما حاولت إسرائيل إنهاءه وفشلت عبر الحربين السابقتين. والآن لا يفشل الجيش الإسرائيلي فقط، بل تثبت المعارك مدى تصاعد قوة وقدرة المقاومة في غزة على فرض شروطها في مرحلة ما بعد تلك الحرب، وذلك ما يفسر تلك الحالة الجنونية من هدم المنازل فوق رؤوس المواطنين وهدم مباني كل المؤسسات في غزة واستخدام الطائرات الحربية ثابتة الجناح والمدفعية والزوارق الحربية في عمليات ضد مجموعات مقاومة.وتظهر الوقائع أن غزة تتحرك في هذه الحرب وفق خطة سياسية وإستراتيجية أشد وضوحا من كل ما سبق، متخلصة من أخطر نقاط الضعف التي أصابت المقاومة الفلسطينية، واستغلها الجيش الإسرائيلي في صراعه وحروبه ضد المقاومة لسنوات طوال. ويمثل تشكيل غطاء سياسي لمقاومة غزة عبر الحراك الجماهيري والثوري في الضفة الغربية والقدس وداخل الخط الأخضر، تطورا نوعيا مهما في إدارة المعركة، فضلا عن أنه يمثل إعلانا عمليا بفشل كل الخطط والمحاولات التي جرت وبتركيز شديد لعزل غزة عن الشعب الفلسطيني وتحويلها إلى حالة منبوذة فلسطينيا. كانت تلك أحد أهم أهداف القصف والتدمير في الحروب السابقة وللخطط الإعلامية وأساليب الحرب النفسية، وللانقسام الفلسطيني أيضاً . وفي قيام فصائل المقاومة بالتحول إلى الهجوم البري داخل الأرض المحتلة عام 48، سواء ضد قاعدة زبكيم العسكرية أو من تفجير أحد الأنفاق، وبوصول صواريخها إلى تل أبيب وحيفا وإلى منزل قرب مقر سكن نتنياهو، هو بمثابة إعلان مدو ليس فقط باستعدادات المقاومة وعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على مفاجأتها بالعدوان، بل هي مؤشرات لحدوث تطور نوعي بالغ الأهمية في قدراتها التخطيطية والتدريبية وعلى صعيد أسلحتها وإدارتها للأعمال القتالية باحتراف، إذ جرى قصف مفاعل ديمونة ومصانع وغيرها من عصب الصناعة الإسرائيلية. وجاءت كلمة خالد مشعل مليئة بالدلالات هي الأخرى، فهي شملت إعلانا بالاستعداد للتفاوض على صعيد دولي وتوجها لكسب الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، وجسدت خطة أن المعركة لن تجري على أساس محلي في غزة، بل هي تدار من الداخل والخارج. وفي خطاب مشعل دلالة مهمة يجب أن يلتقطها جميع الداعمين للمقاومة، وهي أنها الفرصة التي تمنحها المقاومة لإعادة ترتيب أولويات الصراعات والملفات والحروب الأهلية في إقليمنا المضطرب، إذ القضية الأصل عند الأمة، هي من تشهد صراعا حربيا الآن.لقد حملت المعارك –على الصعيد الميداني- اعترافا من الجميع بما في ذلك إسرائيل، أن صواريخ المقاومة ليست مجرد "بمب"، وأن تصويبها قد أصبح دقيقا وبعيد المدى، إذ وصلت إلى تل أبيب وأهم مطارات إسرائيل المدنية والحربية، ولم يعد من مكان في الجنوب والوسط لا تطاله الصواريخ، بما في ذلك مفاعل ديمونة النووي الذي جرى الإعلان عن احتمالات حدوث تسريب كيماوي به جراء الصواريخ على الصفحة الرسمية للجيش الإسرائيلي، قبل أن يجري التراجع والنفي والقول بأن الصفحة جرى اختراقها، ولذلك حساسية شديدة على الإسرائيليين وعلى أوضاع الاقتصاد والأمن، إلى درجة هدم استقرار المجتمع الإسرائيلي إلخ . قفزت معادلة توازن الرعب، إذ لا تعلن أجهزة الإعلام الإسرائيلية الآن حجم الإصابات والآثار التدميرية معنويا وماديا، حتى لا تتأثر معنويات الإسرائيليين وتكسب المقاومة زخما فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، إذ وسائل الإعلام الإسرائيلية خاضعة لرقابة صارمة من مخابرات الجيش، وبعد نهاية الحرب سيكشف حجم الخسائر والإصابات والقتلى. ومضى الزمن الذي كانت إسرائيل تقصف الفلسطينيين وتقتل وتشرد وتطرد دون ثمن –حين لم يكن للشعب الفلسطيني مقاومة حتى عام 67 –وتطورت قدرة الردع من العمليات الاستشهادية إلى الصواريخ في الحربين السابقتين، والآن تتطور عملية الردع وتصبح أقرب إلى توازن رعب حقيقي –كما ستكشف مجريات ما بعد الحرب .وستفرض غزة شروطها التي لم تعد – وفق مشعل- مقتصرة الآن على ما كانت عليه من قبل، من عدم القيام بأعمال الاغتيال بغزه ووقف القصف والاعتداء عليها، بل صارت تتعلق بكل فلسطيني على الأرض الفلسطينية، من في السجون ومن يتظاهر في الضفة وداخل الخط الأخضر، ومن يعيش في غزة. وإن كان هناك في الإعلام العربي من يساند إسرائيل في المعركة عبر الهجوم الآن على حماس، فكم سيعاني هؤلاء من إحباط ويأس وانكشاف لدورهم ومكانهم وولائهم الحقيقي.