10 سبتمبر 2025

تسجيل

المفاوضات السياسية

11 يونيو 2024

المفاوضات السياسية هي عملية معقدة تتطلب قدرًا كبيرًا من الصبر والمثابرة والمهارات التفاوضية. الأمثلة التاريخية على المفاوضات الطويلة والمعقدة تسلط الضوء على الصعوبات التي يمكن أن تواجه الأطراف المتنازعة، ولكنها تُظهر أيضًا أن الحلول ممكنة عندما يكون هناك التزام حقيقي بالسلام والتفاهم المتبادل، من خلال استخدام استراتيجيات الصبر والمناورة الفعّالة، يمكن للقادة السياسيين تجاوز التحديات وتحقيق نتائج إيجابية لمستقبل أفضل. في أي مفاوضات سياسية غالبًا ما تأتي الأطراف إلى طاولة المفاوضات بأجندات متعارضة. كل طرف يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة التي قد تتعارض مع مصالح الأطراف الأخرى. هذا التضارب يجعل الوصول إلى حلول وسط أمرًا معقدًا ويزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق. هناك أمثلة كثيرة في التاريخ نتعلم منها دروساً كثيرة مثل مفاوضات اتفاقية السلام في أيرلندا الشمالية التي امتدت بين الحكومة البريطانية والأحزاب السياسية في أيرلندا الشمالية لعقود طويلة، واستمرت حتى توقيع اتفاقية الجمعة العظيمة في 1998. ومن أطول المفاوضات السياسية في التاريخ هي تلك التي جرت بين الحكومة الكولومبية وجماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك). امتدت هذه المفاوضات على مدى أكثر من نصف قرن وانتهت في العام 2016، وإن بقيت آثارها تشتعل حتى الآن بين فترة وأخرى. لكننا وإن أردنا أن نتعلم التفاوض فليس أفضل من قدوتنا وحبيبنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، الذي له سيرة من المفاوضات التي خلدها التاريخ، من كتابة دستور المدينة إلى صلح الحديبية ومفاوضات فتح مكة ومفاوضاته مع بني سعد وبني المصطلق ومفاوضات حصار الطائف وخيبر، ولا يذكر التاريخ رسالة أعظم من رسالة رسولنا الكريم لهرقل ملك الروم عندما قال له: «اسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين». ولا ننسى أيضا مفاوضات قائدنا الإسلامي التاريخي وسيف الله المسلول خالد بن الوليد، فالتاريخ يذكر أنه رجل مفاوضات كان يحاول تجنب القتال في كل مرة، وفي المرات التي فشل في التفاوض انتصر في القتال، وفي بعض المرات نجح في تفاوضه أن يشق الصفوف ويقلل خسائر المعركة كما حدث في مفاوضات دومة الجندل ومفاوضاته مع أهل الحيرة. هناك شعوب تميزت بالصبر، اليهود منهم، والفرس منهم، وما تقوم به إيران حالياً في المفاوضات النووية ليس نابعاً فقط من الذكاء الإيراني، ولكن من الشخصية الفارسية التي عرفت بالصبر والتحمل، فإطالة الوقت في أي مفاوضات سياسية تدفع للعمل في الباب الخلفي، والتفاوض حتى آخر رمق على الطاولة لتحقيق أكبر المكاسب، بعكس الشخصية العربية التي تتمتع بالصلابة والقوة والإرادة والعزيمة التي تجعل من صبرها قليلا خاصة عندما يكون الحق معها فتسلم نفسها للتسرع في اتخاذ القرار. المفاوضات السياسية أداة حاسمة في حل النزاعات الدولية وتشكيل مستقبل الدول. فهي ليست مجرد محادثات، بل عملية معقدة تتطلب صبرًا ومهارات استراتيجية عالية. تتضمن المفاوضات عادةً التوفيق بين مصالح متضاربة، وإيجاد حلول وسط، والعمل على تحقيق توافق يرضي جميع الأطراف. مع ذلك، فإنها غالبًا ما تكون محفوفة بالتحديات والصعوبات، وقد تستغرق سنوات طويلة قبل الوصول إلى نتائج ملموسة. لهذا فإن من يطرح سؤالا اليوم عن مدى جدية حماس أو مرونتها في المفاوضات فإنه لا يعرف أن الصبر أساس المفاوضات، وأن أصعب أنواع المفاوضات هي التي تقودها حماس لعدة أسباب، أولها أنها لا تدافع عن حقها أو نفسها، بل حق الشعب الفلسطيني في التحرير والحرية والكرامة، وأنها حماس نفسها لو قررت إلقاء السلاح فإن هذا ليس قرارها، فما بنيت إلا من رحم الشعب ودمه، وهو من يقرر ذلك، فهي اليوم حركة تحرر وطني لا يمكن أن تلقي السلاح تحت أي ظرف، خاصة أنها خرجت من رحم عقيدتنا الإسلامية التي تدافع عن شرفها بشعار: النصر أو الشهادة.