18 سبتمبر 2025

تسجيل

الكيان يفرض يهوديته واقعا

11 يونيو 2015

منذ الاحتلال الصهيوني الأول للجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية عام 1948, انتهج "فرض سياسة الأمر الواقع" في فلسطين وعلى أمتنا العربية.هذه السياسة ما زالت مُنتهجة إسرائيليا حتى اللحظة، بدورنا كأمة عربية أدمنّا هذه الحقائق الصهيونية, فبعد أن كان الهدف تحرير فلسطين أصبح تحرير المنطقة المحتلة عام 1967 مع إمكانية المساومة على تبادل للأراضي، الشعار الصهيوني يظل واحدا.. أما شعاراتنا فقابلة للتقزيم بين المرحلة والأخرى!. نعم, "إسرائيل" تصنع حقائقها وتفرض الفهم الذي تريد "ليهوديتها".. والعديد من سياسيينا ومحللينا وقانونيينا في مقالاتهم وتعليقاتهم على الفضائيات.. "يلتهون" بالتفسير اللفظي واختراع الفوارق ما بين تعبيري: يهودية "إسرائيل" و"إسرائيل" كـ"دولة الشعب اليهودي"! وكأن فرقا هناك؟ . أمريكا وفرنسا وغيرهما اعترفت بيهودية "إسرائيل" منذ مدة طويلة وفقا للفهم "الإسرائيلي" لها! البعض من المحللين والقانونيين والسياسيين ينكر ذلك متحججا, بالقانون الدولي، القانون الدولي في عصر الغاب الذي نعيش، هو ما يفهمه الأقوياء. ثم إن "الحق" إن لم تسنده قوة, يصبح في عرف الأقوياء المتحكمين بالعالم "ظلما", ولا يلتفت إليه أحد, والظلم يصبح "حقا". كأن البعض منا لا يفهم هذا الأمر, أو لا يريد أن يفهمه، مقدمة لابد منها.. وهي رد موضوعي على نقاشات عديدة جرت ولا تزال!.صادقت حكومة الكيان الصهيوني السابقة (23 نوفمبر 2014), على مشروع قانون سيجري عرضه في الكنيست الحالي (في أقرب فرصة) للتصويت عليه بقراءات ثلاث, ليصبح قانونا يجري تطبيقه رسميا. حتى من دون تصديق القانون, فإن الواقع يؤكد تطبيق تداعياته منذ إنشاء الكيان حتى اللحظة. مشروع القانون سيجري إقراره حتما, لأن التحولات في "إسرائيل" في العقود الأخيرة من القرن الزمني الماضي والحالي, وكما تشير استطلاعات كثيرة تنشرها الصحف "الإسرائيلية" بين الفينة والأخرى وكما أثبتت الوقائع في انتخابات دورات الكنيست الأخيرة الثلاث, تتصاعد بخطى متسارعة باتجاه المزيد من الفاشية والتطرف.من أجل تأكيد كل ما سبق, أرى من الضروة بمكان استعراض هذا الأمر منذ بدايات طرحه وصولا إلى اللحظة الحالية, هذا أولا. ثانيا, انطلاقا كذلك من تأكيد الوقائع وحقائقها الدامغة, إليكم ما يلي: قبل إنشاء الكيان في مؤتمر كامبل بنرمان الذي عقدته الدول الاستعمارية الأوروبية واستمرت جلساته المتباعدة بين عامي 1905 – 1907 وفي أحد قراراته نصّ على إقامة دولة في فلسطين تفصل شطري الوطن العربي في آسيا وإفريقيا، على أن تكون صديقة لأوروبا وعدوة لسكان المنطقة. دولة لليهود، لم يكن ذلك بمعزل عن بدء ظهور القوميات في أوروبا, وما صاحبه من انتقال من عهد الإقطاع إلى الرأسمالية, الأمر الذي فتح عيون بعض القيادات اليهودية على أهمية تشكيل "القومية اليهودية" التي بدأت إرهاصات تحولاتها في الانتقال من "الصهيونية الدينية" إلى "الصهيونية السياسية", تبلور التحول فيما بعد, في ظهور الحركة الصهيونية. جاء وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 ليؤكد على "أهمية إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين". قرار التقسيم رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر عام 1947 نص على إنشاء دولتين في فلسطين "دولة يهودية" ودولة عربية. ذلك يظهر الخلفية التي انطلقت منها الدول الغربية والاستعداد المبكر لها للاعتراف لاحقا بيهودية "إسرائيل". عند إنشاء الدولة "الإسرائيلية" رسمياً في عام 1948, ونحن عشنا قبل ما يقارب الشهر ذكرى إقامتها القسرية وفي بيان الإعلان عن إقامتها, تم التأكيد على عدة مبادئ من بينها: "الدولة اليهودية" و"قانون العودة", وبموجب هذين المبدأين، فإن "إسرائيل" ملتزمة بلمِّ شمل اليهود من مختلف أنحاء العالم, ومن يتهودون كذلك, وهؤلاء لهم الحق في العودة, والحصول على الجنسية, والعيش في "إسرائيل" كمواطنين "إسرائيليين".هذا إضافة إلى الاستمرار في الترويج لمفهوم "الشعب اليهودي" و"القومية اليهودية" و"الأمة اليهودية".منذ تلك اللحظة فإن "إسرائيل" تسعى لتحصين "يهودية دولتها". وإبّان تسلم تسيبي ليفني لحقيبة الخارجية, عملت على إعادة إحياء هذا الشعار القديم الجديد (هذه التي يعتبرونها من جناح الحمائم في الكيان, وإمعانا في التغطية على سياساتها, صوتت ضد مشروع القرا).إيهود أولمرت راكم على عملية التحول هذه، نتنياهو وعند تسلمه رئاسة الحكومة "الإسرائيلية" الأولى له (من الأربع) أخذ هذه الفكرة وطورّها إلى ضرورة اعتراف دولي بها. بالفعل اعترفت بها الولايات المتحدة (اعتراف أوباما بيهودية "إسرائيل", ومطالبة فيليب كراولي للفلسطينيين بالاعتراف بها "يديعوت أحرونوت") وفرنسا ( اعتراف ساركوزي بيهودية "إسرائيل", مايو 2011 أثناء استقباله لنتنياهو على عتبات الإليزيه).لم يكتف نتنياهو بذلك، بل أخذ يشترط على العرب والفلسطينيين، الاعتراف بذلك مقابل إجراء التسويات (والتي هي حلول "إسرائيلية") للصراع مع الطرفين.كترجمة عملية لهذا الشعار, بدأت "إسرائيل" في سنّ مشاريع قوانين في الكنيست توضح وتفصّل فيها الأسس الإستراتيجية القانونية للشعار. لقد سارع رئيس كتلة الائتلاف الحكومي السابق (إبان الكنيست السابقة) النائب المستوطن ياريف لفين إلى إعادة إحياء ما يسمى بـ"قانون دولة القومية" (وهو مشروع قرار كانت قد اقترحته الأطراف الأكثر تشدداً في الكنيست آنذاك (قبل السابقة), وبسبب من حل الكنيست (في حينها) لم تتم قراءتاه الثانية والثالثة ليصبح قانوناً)... خلال الكنيست الماضي (وهو الأكثر تطرفاً من سابقه), فإن صياغة القانون تحولت إلى أن "أرض إسرائيل هي وطن الشعب اليهودي". ليس هذا فقط, وإنما تمت صياغة قانون آخر جرى تقديمه إلى الكنيست السابق تحت عنوان "اللوبي من أجل أرض "إسرائيل", لقد جرى سن كل تلك القوانين. في الشرح (المبُهم) للقانون جرى التفصيل بملحق إضافي يحدد بأن "أرض إسرائيل هي أرض فلسطين التاريخية، (التي تعني عمليا كل فلسطين من النهر إلى البحر). تطور الأمر إلى قانون آخر تم سنّه (أعده النائبان زئيف إلكين من "حزب الليكود" وإيليت شاكيد التي تنتمي إلى "حزب البيت اليهودي").وجرى سنّه بقراءاته الثلاث، القانون سيقطع الطريق على أي حكومة "إسرائيلية" قادمة, للانسحاب من الضفة الغربية (التي هي بالمفهوم الإسرائيلي يهودا والسامرة).وبذلك سوف لن تتم إقامة دولة فلسطينية تحت أي ظرف من الظروف. القانون الحالي ينص أيضا على، أولا دولة "إسرائيل" هي الوطن القومي للشعب اليهودي (في العالم بالطبع) الذي يطبق فيه طموحه لتقرير المصير بموجب تراثه وثقافته وتاريخه". ثانيا، إن تقرير المصير في دولة "إسرائيل" يخص فقط الشعب اليهودي. جاء القانون بصيغة "إعطاء الأولوية في التطبيق القانوني, للقيم اليهودية".أي أن المرجعية الأساسية لتفسيرات القوانين "الإسرائيلية" هي "القيم اليهودية" وليس النظام الديمقراطي (الذي تدّعيه إسرائيل).في التفسير العملي للفهمينْ السابقين يرد في ملحقيهما التوضيحيين: الحق في الحصول على الأرض والمسكن هو لليهود فقط.كما يدعو القانون إلى شطب اللغة العربية كلغة رسمية ثانية في الكيان الصهيوني.. بالمعنى الفعلي هناك أساس قانوني للشطب، المسألة هي التوقيت المناسب. المعروف أن الحكومة "الإسرائيلية" برئاسة مناحيم بيجين قامت بتحصين الطابع اليهودي للدولة في القوانين والتعليمات "الإسرائيلية" فيما يتعلق بقرارات محكمة العدل العليا، وذلك بإصدار قانون ينص على ما يلي: "عندما تواجه المحكمة بسؤال قانوني يتطلب قراراً لا يوجد له جواب في القانون الوصفي- قانون الحالة- أو من خلال التحليل, "يتوجب على المحكمة أن تقرر في ضوء مبادئ الحرية, العدالة, المساواة والسلام الخاصة بالتراث اليهودي". كما يُلاحظ, فإن شعار يهودية الدولة جرى تطبيقه على مراحل, ولم تكن "إسرائيل" متسرعة في إقراره وإنما يجيء التطبيق بعد فرضها لوقائع كثيرة على الأرض, حيث هناك تقبل فلسطيني رسمي وعربي رسمي لوجودها في المنطقة، ولذلك كانت اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد ووادي عربة. جملة القول: إن يهودية "إسرائيل".. جرى ويجري التأسيس لها وتُمارس على الأرض واقعا وسياسات, والخشية كل الخشية أن يعترف الطرف الرسمي الفلسطيني, والرسمي العربي كذلك بـ"يهودية إسرائيل". رغم كل ما سيعنيه ذلك ورغم كل التداعيات التدميرية المترتبة على هذا الاعتراف على الفلسطينيين والعرب جميعا.