10 سبتمبر 2025
تسجيلقبل كل شيء فإن هذا المقال يمثل رأيي الخاص وإن اختلف معي أحدهم. لا شك أن ديننا العظيم هو دين الرحمة، وقد تعلمنا منذ الصغر أن نتكاتف حين نجد من المسلمين من يشكوا ضيقا أو فاقة، وأننا حين نهب جميعا لجمع التبرعات لدولة أو أمة تطلب العون هو جزء من إيماننا بديننا العظيم. وأذكر أنني منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية كنا نتعاون مع المدرسة لجمع التبرعات لأهالي فلسطين فكان ذلك من دواعي فرحنا نحن الصغار رغم أن ما كنا نتبرع به لا يتجاوز الريالات المعدودة من مصروفنا الشخصي. ومنذ أيام قليلة بثت إحدى القنوات الخليجية برنامجا يضم عددا من الضيوف بهدف جمع التبرعات، وكان أحد الضيوف يحاول أن يردد كلمات مؤثرة، كي يؤثر بها على المشاهدين، ويحثهم للمشاركة بالتبرع، وقال: إن أبناءهم يخرجون للعمل لإعالة أسرهم وهم أطفال صغار، بينما أبنائنا سعداء يتمتعون بالرفاهية، ويفكرون في أرقى مراتب التعليم، وفي بناء مستقبلهم الزاهر. وجميل جداً قول بعض الكلمات المؤثرة للناس كي يشعرونهم بمعاناة إخوانهم المسلمين، ولكن من غير الجميل أن يعقدوا المقارنات بين أبنائنا وشبابنا وكيفية عيشهم الرغيد وكأنهم يستكثرون عليهم الخير الذي منحه الله تعالى لهم، والذي جعلني أحب كثيراً أن أبدي وجهة نظري. هناك أشياء يجب ألا ينساها الجميع، إننا في ماض غير بعيد، وفقط قبل ما يقارب الخمسين عاماً مضت، قد عرف آباؤنا وأجدادنا الأهوال، حين أرسلوا صغارهم الذين تستكثرون على أبنائهم اليوم ما حباهم الله تعالى من نعمة إلى عمق البحر، فعندما دخل والدي رحمه الله البحر كان سنه لا يتجاوز الثانية عشر عاماً فلا مفر من ذلك، فقد وجد والده يوماً وهو ملقى ميتاً على الشاطئ بصعقة البرق في شتاء قارص لم يمنعه من أن يخرج لعله يجد بضع سمكات يعود بها لهم. أين كان هذا العالم كله حين كانت النساء تفترش شواطئ ارتبطت بالوداع والدموع، ثم الامل والانتظار بعيون تترقب عودة الصغار قبل الكبار الذين ذهبوا مبكرا لرحلة الشقاء والموت، ومعاناة كثيرة عاشها إنسان هذه الأرض يصعب وصفها على الورق، فورائهم أرض صحراء قاحلة وأمامهم أهوال البحر، تفرقوا وخرجوا من بيوتهم وعبروا البحر بحثا عن الرزق، ثم عادوا رغم ما رأوه من تعب لأرضهم الطيبة. وما يلفت نظري في العلب الخاصة بالحلويات المتنوعة التي تأتينا من بعض الدول العربية هوالعام الذي تأسست فيه والذي غالبا ما يتعدى المائة عام، حين كانت بضع تمرات هي أقصى أمنيات أجدادنا. وما أراه من قصور وأزياء وبذخ في الأفلام القديمة كان تاريخ عرضها في دور السينما آنذاك ينم عن أسلوب حياتهم في تلك الحقبة الزمنية، بينما هو نفس الوقت الذي كان أجدادنا لا يعرفون فيه من الحياة شيئا سوى كيفية جمع قوت يومهم، وأيضا عندما رآهم الآباء بعدها على الشاشة لم يكونوا ينظرون لهم بعين الحاسدين أبدا، بل كانوا ينظرون لهم بعين الانبهار والاعجاب، ورغم كل الشقاء كانت قلوبهم أنقى من أن تحسد أو تحقد، فمن رزقهم هو من رزقنا، فهنيئا لهم وهنيئا لنا. نعم جميل أن نتعاون ونعطي من مالنا لمن يحتاج ممن حولنا وأن نهب لنصرة أهلنا في كل مكان، ولكن ليس من الجميل أن ينظر لنا بعين حاسدة نسيت أننا كنا يوما في وضع أسوأ. إن ما نحن فيه الآن من نعمة نحن وأبنائنا الذين مَنْ الله عليهم بطيب العيش، إنما هو نتاج صبر آباؤنا وأجدادنا، ومن حقنا أن نفكر في تعليمهم، وفي بناء مستقبل زاهر لهم. لقد كبرنا ورأينا قصورا عتيدة لملوك وسلاطين بعض البلاد الأخرى التي كانت تعيش البذخ وفي نفس الوقت كبرنا ونحن نرى بيوت حكامنا وأهليهم لا تفرق عن بيوتنا كثيرا وهم يعيشون بيننا في بيوت أسوارنا وأسوارهم تكاد تتلاصق بعضها ببعض، وعندما أنعم الله على هذه البلاد كان الخير عميما للجميع، ولم تبخل به بلادنا الكريمة على البلاد الأخرى ممن حولنا، وكانت هذه جائزة السماء لآبائنا وأجدادنا الذين تحملوا من أجل هذا الوطن وعرفوا معنى الشقاء. بالله عليكم لا تكفوا عن جمع التبرعات ومساعدة ونصرة أهلينا في كل مكان. وبالله عليكم كفوا عن أسلوب الحاسدين الذي يولد الاحقاد أكثر مما يثير الشفقة، والتذكير بأن أبناءنا يعيشون في خير ورفاهية، وكأن تفكيرنا في رفاهيتهم وبناء مستقبلهم جريمة. إن وطننا وأبناءه يستحقون كل ما بهم من نعمة، هذا الوطن الذي استمد قوته العظيمة من الضعف، وبنى مجده بقوة أبنائه الطيبين وصبرهم وعزيمتهم، فليهنأ الجميع على هذه الارض، وليتمنى الجميع الأفضل، وليتمتع الجميع بالخير، فمن أعطانا هو الله، والحمد.. كل الحمد لله رب العالمين.