13 سبتمبر 2025
تسجيلفي هذه اللحظة جميعهم حولها يجلسون.. يتبادلون الأحاديث.. ويرشقون بعضهم البعض بكلمات مُبعثرة.. إلا هي.. فقد آثرت السكوت! تحاول أن تتمالك حزنها وسطهم.. إلا أن دموعها اختارت ألا تحتبس في عينيها.. فتنهمر بين الفينة والفينة راسمةً على خديها آثار الحنين!"رباه" تناجيه في صمتها الذي يُباغتها أثناء تجمعهم.. تشعر وكأنما هي في وسط عتمة.. أو طريق يخلو من البشر.. فلم يعد يسمعها أحد.. تجاعيد وجهها السمح قد رسمها الزمن على مر السنين، وبيديها تحاول تهدئة شهقات الدموع.. فتسأل نفسها بأسى: "وين رحتوا؟"..رفعت رأسها لوهلة بعد أن كان نظرها موجها إلى أحد أطراف السجّاد بسرحانٍ قَصيّ، تنظر إلى وجوه من حولها، مكان مُكتظ بالجالسين، أفواههم تتحرك فتبَدَّدَت منها بعض الحروف والجُمل.. حديث يجر خلفه حديثاً آخر.. قصص مُفتعلة تحكي أحداثاً لم تُخلق بعد.. أخبار الكرة الأرضية التي نعيش على سطحها.. حكاياتهم بالنسبة لها مُجرد حسيس! يحاولون اخراجها من مُعتقل الحزن.. وسبي الذكريات..بجانبها طاولة رخامية صغيرة.. وُضع عليها المصحف الشريف مستنداً بهيبة مُقدسّة.. ظلّت تتأمل الكتاب مُستدمعة العين، تُردد في نفسها وكأنها تُخاطبه: "أحتاج إليك".. وقد أصبح فؤادها كفؤاد أُم موسى فارغاً، لا تشعر بمن حولها، سارحةً في فراق من رحلوا فتسأل الله لقلبها الصبر والسلوان..دموع متساقطة كتساقط المطر.. جميع من حولها وإن اعتراهم الحزن فترةً من الزمن فإن ذلك الحزن سيداهمه النسيان.. أما هي فلن تنسى ما حيت.. وسيظل حزنها مكبوتا بداخلها ولن يسمعها أحد.. ترى خيالاً يُضيء نوراً يمشي في نهاية غرفة الجلوس.. أهؤلاء هم؟، تشعر بأنهم فجأة سيدخلون عليها وسط المُعزيّن..رُفع أذان العشاء.. والمعزون هموا للصلاة... بين ركوع وسجود.. منهم من انشغل في خشوعه ومنهم من اعترى صلاته التفكير في مشاغل الحياة، فلا يعلم ما الذي رتله.. وأي سور قرأها..وأما هي فقد دخلت إلى غرفتها ترافقها الهواجس تُحدثها وتسألها: "وين راحوا؟"، وبين يديها محرم تمسح به دموعها.. اكتفت بإضاءة خافتة، وأسدلت سجادتها مُستعدةً للصلاة، ما هي إلا لحظات إيمانية فكبرّت الله تاركةً وراءها الدنيا ومن فيها، وقد شعرت بحشرجة في قلبها تُذكرها بهم! فلم تتمالك تلك الدموع ثانيةً.. فلم يعد يسمعها أحد سوى الله سبحانه وتعالى.. تُناجيه.. وتسأل لهم الرحمة والمغفرة..وقفت تلك الهواجس عند رأسها تنتظرها تنتهي من الصلاة.. لتعود إليها.. وتُذكرّها بصوت خطوات أرجلهم التي لن تسمعها مُجدداً.. كغريب تائه.. أو طفل يتيم أصبحت! وجعها يمتد من مكانها إلى مكان رحيلهم الأبدي.. تسمع أصوات المُعزيّن خارج غرفتها.. فهمّت بالخروج إليهم بِنَفَسٍ ضيّقٍ مجروح.. لتجلس على كرسيها مرة أخرى..فيعود بها شريط الذكريات المستمر..الآن هم رحلوا بأجسادهم.. ولكن أثر أرواحهم باقٍ.. ولن يتوارى!