10 سبتمبر 2025

تسجيل

مبادئ الإسلام مقابل توصيات مفكر أمريكي 4 - 4

11 أبريل 2024

..... نواصل الحديث حول كتاب «جدد حياتك» لمؤلفه/ د. محمد الغزالي وعلى الرغم من أن الله عز وجل يغفر اللمم من الذنوب ويتجاوز عن الصغائر لكل مؤمن يسعى إلى كمال إيمانه، غير أن البعض يقيم الدنيا ولا يقعدها لسيئة وقع عليها في سلوك شخص ما رغم ما هو عليه من شمائل الأخلاق. وعلى هذه الحقيقة المؤسفة يصرّح النائب العام في نيويورك (فرانك هوجان) بأن نصف القضايا التي يتم عرضها على محاكم الجنايات تقوم على أسباب تافهة «كجدال ينشأ بين أفراد أسرة، أو من إهانة عابرة أو كلمة جارحة أو إشارة نابية». إن الحل يكمن في «صقل مرآة الذهن» فلا تلتقط سوى صور حقيقية من أروقة الحياة لا تشوبها شوائب، ومن ثم وضع الصورة في نطاقها الأكثر رحابة بحيث لا يتم الحكم عليها بمنأى عن الصور الأخرى، ولا لحظة شر بمنأى عن جبل من الخير. يؤكد الغزالي في موضوع (قضاء وقدر) على أن المؤمن وهو يقرّ بأن مقاليد السماوات والأرض بيد الله وحده، كفيل ببث أعظم مقادير الطمأنينة في قلبه، إذ مهما تقلبّت الأحوال واضطربت الأحداث فإنها تحت مشيئة الله العليا. يقول عز وجل: «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ». وهذا يفسّر ركون المؤمن إلى ربه بعد أن أدى واجبه على أكمل وجه، فمن توكّل عليه وحده استراح، وليس للقلق معنى في أمور تخرج عن نطاق الإرادة البشرية، وإن كان للمرء تقريع نفسه على تفريط ما استوجب عليه سوء، فإن القدر الذي وقع ولم يطلّع عليه من قبل لا يستلزمه ندم، وهو بهذا لا عليه قلق أو تربّص أو ريبة. غير أن كثيرا من الناس لا يفقه هذه الحقيقة سواء كان جهلاً أو جحوداً، فيباشر أحدهم أعماله وهو يحمل هموماً مقيمة لا تقتصر على ما فات وحسب بل على ما قد يرميه به المستقبل لاحقاً، وهو الأمر الذي يتم استغلاله بسوء كما أوضح كارنيجي من خلال المثال الذي ضربه في شركة (لويد) العالمية للتأمين، فقد حققت أرباحاً طائلة خلال المائتي عام السابقة، وستحقق، طالما هواجس الغيب والخوف من المستقبل والخسائر المتوقعة والوهن من تحملّها جميعاً، تثقل كاهن البشر، فيقول: «لكن كثيراً من الرجال الناضجين لا تقل مخاوفهم سخفاً عن مخاوف الأطفال والصبيان، وفي استطاعتنا جميعاً أن نتخلص من تسعة أعشار مخاوفنا تواً لو أننا كففنا عن اجترار خواطرنا، واستعنّا بالحقائق المدعومة بالإحصاء، لنرى إن كان هناك حقاً ما يبرر تلك المخاوف». وليس خيراً من وصية النبي ﷺ إذ قال: «ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس». أما في موضوع (بالحق أنزلناه وبالحق نزل) يرى الغزالي أن الإسلام يعنى بالجانب العقلي من ناحية تنظيم الأفكار التي تنتظم بها مقدمات الأشياء فتنتج الصواب وتحقّ الحق، بينما يعمل في الجانبين النفسي والاجتماعي كأداة لتنظيم المشاعر على أسس من الإيثار والأخوّة والفضيلة ونبذ ما سواها من رذائل. وهو بهذا يمهّد السير نحو الهداية وطريق الحق ومسعى الكمال، فلا تُصبح الغاية من العبادات المفروضة تقمّص صوّرها واعتياد حركاتها وسكناتها، بل كل ما يعزز إدراك العقل ويقرّبه أكثر فأكثر نحو الصواب، وما يساعد على إحكام الأهواء والسير في الحياة بإحسان من غير دنايا أو مظالم. وهو المقصد في قوله تعالى: «فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ». غير أن طبيعة الإنسان تحيد به في بعض الأحيان نحو نزوات وشهوات، وليس الخوف من هذه النزعات سوى مغبّة الاسترسال، فلا تلبث حتى تطرحه في مهالك لا يعود بعدها سالماً. يقول ابن المقفع: «المؤمن بخير ما لم يعثر، فإذا عثر لجّ به العثار». والحل هو أن يحرص المؤمن على ألا يلج هذه اللجاجة، فإن وقع فعليه الاستدراك سريعاً ومجاهدة النفس ألا يعود أبداً. ومع هذه المفارقة في توفيق المبادئ الإسلامية على يد أحد علماء الإسلام، بمنهج حياة دعا إليه مفكر أمريكي لا يعتنق الإسلام ديناً، يصبح لا أطيب مسك للختام من كلام الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بيديه ولا من خلفه: «فِطرةَ اللهِ التي فَطَر النَّاسَ عَلَيْهَا».