20 سبتمبر 2025
تسجيلالاتفاق الإيراني ـ السعودي الأخير الذي رعته الصين في بكين، لا شك كان انتصاراً لبكين، وحضوراً لها ربما لأول مرة بهذا الشكل القوي في المنطقة العربية، بعد أن كانت مثل هذه التحركات حكراً على المحور الغربي، وهو الأمر الذي فسرته دوائر الباحثين والخبراء على أنه تراجع غربي وأمريكي تحديداً في المنطقة، وهو ما يمكن عزوه إلى تراجع الفعالية الغربية في التعاطي الجدي مع ملفات تمور بها المنطقة لعقد كامل، مما خلّف مرارات وسط حلفائها، فسمح لخصومها في موسكو وبكين بالتقدم بشكل أقوى على مناطق نفوذها، فكان الحضور الروسي الأقوى في سوريا وعلى ضفاف المتوسط، وهو الأمر الذي دفع عضواً فعالاً في النيتو مثل تركيا إلى التقارب مع روسيا، فكان ذلك على حساب علاقاتها مع أمريكا والغرب بشكل عام، مما مهد ربما لتحرك دول أخرى بهذا الاتجاه. جاءت الحرب الأوكرانية لتعزز محور روسيا ـ الصين ومعه إيران الذي وجدها فرصة من أجل مناكفة المحور الغربي، على الرغم من دعمه العلني لأوكرانيا، لكنه ظهر عليه التصدع والشقوق، ولا أوضح على ذلك من زيارات الرئيس الفرنسي إلى بكين وتصريحاته التي تشير إلى ذلك. ولعل في الدعم الإيراني لروسيا في حربها على أوكرانيا، إن كان من حيث المسيرات أو غيرها، دليلا واضحا على تعزيز هذا الحلف بالإضافة إلى دعم قطع الغيار الصينية وكذلك من كوريا الشمالية لروسيا في حربها على أوكرانيا. الواضح أن تذبذب الموقف الأمريكي تجاه ثورات الربيع العربي بالدعم ثم بالتراجع، وأخيراً بالتماهي مع الموقف الروسي والصيني تجاه الثورة في سوريا وغيرها، تسبب في ضعف الثقة بالموقف الأمريكي على صعيد الدول والشعوب الداعمة للربيع العربي، أما على جانب الأنظمة التي تلقت دعمها من روسيا والصين، فقد زادت قناعتها من أن حلفاءها يمكن الاعتماد والتعويل عليهم، وربما دفع دولاً أخرى في الاعتماد على المحور الجديد الممثل بالروسي والصيني لكونه أكثر ولاءً وأكثر حرصاً على حلفائه من المحور الغربي الأمريكي، الذي فشل في كسب حلفائه التقليديين، وبالمقابل خسر الشعوب التي كانت تراهن بعضها على دعمه ومساندته في مواجهة الاستبداد. وهنا نستذكر مقابلة مهمة للغاية مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1994 حين قال إن عدم دمقرطة روسيا، يعني أن نموذجها الاستبدادي سينجح في مواجهة النموذج الديمقراطي الغربي، وهو ما يعني الترويج لنموذجها على حساب النموذج الغربي، وربما هذا ما حصل حتى الآن. على الرغم من ملاحظات البعض على السياسة الأمريكية في المنطقة وغيرها، ولكن بكل تأكيد لن يكون المحور الآخر بديلاً مناسباً، وهو المعروف بسلبياته التي لا تقارن بسلبيات السياسة الأمريكية بحق المنطقة والشعوب، فضلاً عن أن اقتصادنا وعسكريتنا ونخبنا وحياتنا اليومية مرتبطة بالغرب شئنا أم أبينا، بشكل لا يقارن مع المحور الآخر، بحيث يغدو الانفصال والاستغناء عنه صعباً ومتعذراً، بل ومكلفاً، وبنظرة سريعة على كل بيت من بيوتنا، يتعذر على أحدنا أن يرى شيئاً واحداً ربما صنع في روسيا والصين، فكل مستهلكاتنا وكل حياتنا اليومية تعتمد على الغرب، ولذا فالتخلي عنه والذهاب إلى المحور الآخر، تماماً مثلما يفضل القعود تحت المزراب بدلاً من الدلف.