13 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أيام قليلة جدا سيغشانا شهر فضيل، شهر رمضان المبارك الذي يجزي به الله عباده الصائمين القائمين، شهر تشحذ فيه الهمم على الطاعة، والفائز هو من اغتنمه بالصيام والقيام والعبادة وفاز بالمغفرة. ومع قدوم الشهر الكريم أود أولا ان اشكر كل من سيكون على رأس عمله يخدم وطنه ومجتمعه بصدق وإخلاص، خصوصا مع تفشي هذا الوباء الجائر الذي عصف بالعالم من مشرقه الى مغربه، فأصبح الموظف يجاهد على جبهتين، فمن جهة جهاده لنفسه بالصوم والعبادة والانصياع لأوامر الله عز وجل، ومن جهة أخرى قيامه بواجبه الوطني في أداء وظيفته ومسؤولياته المجتمعية على أتم وجه، وهؤلاء، والحمد لله، هم الغالبية في دولتنا الحبيبة، ولكني سوف أتحدث في هذا المقال عن بعض الانماط الموجودة من الموظفين والمسؤولين في بعض الوزارات أو الجهات الحكومية الخدمية المختلفة، وبالرغم من قلة هذه الأنماط في محيط بيئة العمل الا ان لها تأثيرا سلبيا ملحوظا على الجمهور والمراجعين وحتى على زملائهم في العمل، فهذه الفئة للأسف تسيء بسلوكياتها لسمعة باقي الموظفين المتفانين في أداء أعمالهم، وتعكس صورة سلبية للمؤسسة التي يعملون بها. فعلا سبيل المثال لا الحصر هناك الموظف او المسؤول الشبح، وأسميه الشبح نظرا لقدراته "الميتافيزيقية" العجيبة التي تجعله موجودا وغير موجود في نفس الوقت، فالمراجعون يسمعون عنه ويعرفون طبيعة عمله، ولكنه بقدرة قادر يستطيع ان يتوارى عن الأنظار، فلا يمكن ان يروه ابدا مهما حاولوا الترصد له، فهو مثل "بيض الصعو" نسمع عنه ولا نراه وبتصرفاته هذه تتراكم المعاملات وتتأخر المصالح. وهناك الموظف القمطرير العبوس دائما وسريع الغضب والمتجهم في وجوه المراجعين، حتى انه بالكاد يرد عليك السلام اذا القيته عليه، ويشعرك بأنه يقدم لك صدقة او احسانا فيما يقوم به من عمل هو من صميم واجباته ومسؤولياته، ولا تكاد تسأله او تناقشه حتى يثور عليك ثوران بركان مدينة "بومبي" الإيطالية، فتراه يزبد ويرعد ويرغي لأتفه الأسباب، فهو يرى نفسه افضل وأفهم وأعلم وأدرى من الجميع، فمن أنت أيها المراجع حتى تشكك او تسأل عن أمر أقره هو وأفتى سماحته في حكمه فتصبح نتيجة مقابلتك له ارتفاعا حادا في ضغط الدم مع زيادة عدد ضربات القلب بشكل متواصل ومطرد. وهناك نمط آخر اعتبره العقبة الكبرى في طريق أي معاملة انه الموظف "النحيس" فهو يعشق تطبيق القوانين حسب ما يفهمها هو لا حسب ما هي عليه، فوضع العقدة في المنشار وصياغة العراقيل بالنسبة له هي هواية يستمتع بممارستها، لا يستخدم روح القانون او يقدم النصيحة الا معا ذوي القربى والذين يمكن الاستفادة من خدماتهم، فدائما وأبدا معاملتك بها علة او ينقصها إجراء معين، او أن التعليمات والاوامر لا تسمح، وإن استفسرت عن مصدر الأوامر والتعليمات فتأكد بأن جوابه دائما انه المسؤول الذي لا تستطيع ان تقابله. ان هذه الأنماط ليست حكرا في مجتمعنا وحسب، وإنما هي موجودة في جميع المجتمعات الإنسانية حول العالم، ولكنها تزيد وتنقص من مجتمع لآخر، يحكم هذه الزيادة والنقصان أحوال المجتمع القيمية والأخلاقية، فترى أفعال هؤلاء كبيرة من الكبائر في المجتمع المحافظ الذي ما زال متمسكا بقيمه وأخلاقه الإسلامية والعربية الاصيلة، بينما تكون أقل أهمية في المجتمعات التي بدأ الانحلال القيمي والأخلاقي ينخر في جسدها ويتفشى. وختاما أتركك عزيزي القارئ مع هذا الحديث العظيم الذي رواه الطبراني في المعجم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ فقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل). @drAliAlnaimi