28 أكتوبر 2025

تسجيل

العود يصلح ما "تخربه" الخلافات السياسية ويقرب الشعوب

11 أبريل 2018

في الوقت الذي تنصرفُ فيه العقول لشراء الأسلحة وأدوات التدمير التي تشوهُ وجهَ العالم، وتُشرِّدُ الملايين من الأبرياء، تحتضن مؤسسة الحي الثقافي "كتارا" مهرجان كتارا الثاني لآلة العود، في مناخ من الصفاء الروحي والتماهي مع الأنغام التي جاءت من بقاع مختلفة من العالم لتجد أرض قطر تربة صالحة لغرس الحب والتفاهم الحضاري، حيث جَمعَ العودُ فناني الشرق والغرب في لوحة فنية، بعيداً عن صخب الضجيج الإعلامي الذي تمارسهُ بعض الفضائيات التي تنشر الأحقاد والضغائن وتحرّض على الكراهية، لتجعل هذا الكون بؤرة لثقافة العنف والتأليب والتلفيق. لقد تشنّفت أسماعُنا في ليلة سلام وحب على أرض قطر، حيث التقى العودُ القطري بنظيره التركي والتونسي والإيراني واليوناني والإسباني، في تعبير راقٍ عن سمو الفن وصفاء المحبة، وأن الموسيقى لغة عالمية، يُجمع عليها كل البشر، ويتفاعلون معها، لأنها تزيل ما علق بالنفس من أدران الحياة، وتُنقي الذات من المشاعر والتوجهات السلبية، وتنقلها من حالات القلق والتكالب والحسد إلى مناخات الأمل والطمأنينة والإيمان بقضاء الله. وخلال أيام مهرجان كتارا الأربعة تلاقى فنانون يعزفون العود من عُمان، إيران، قطر، المغرب، سوريا، أذربيجان، الكويت، العراق، أرمينيا، اليابان، حيث سعد الجمهور بفنون هذه البلدان التي تنطلق من أوتار العود. هذه الآلة الجميلة الشجية والتي لها تاريخ حافل يعود إلى ما قبل التاريخ بملايين السنين، كما أن لها عدة أسماء منها:Lute, Luth, lute,oud, alaude .  ولقد نقلت المصادر أن "لامك بن متوشاح بن محويل بن عياد بن أخنوخ بن قابين بن آدم عليه السلام" هو أول من اخترع آلة العود، كما تُشير المصادر إلى أن نوحا عليه السلام كان لديه عود، وفُقد في حادثة الطوفان، وقيل إنه أول من صنع آلة العود. (aud1980.blogpost.com).  وتؤكد بعض المصادر أن آلة العود وُجدت ضمن التراث المصري أيام الفراعنة وهي تختلف عن آلة الطنبور ذات الرقبة الطويلة، ويُسمى (الدساتين) قبل 1600 قبل الميلاد. كما عُرف العود في الحضارة الآشورية والبابلية "1720 قبل الميلاد". وعُرف في بلاد فارس عام 550 قبل الميلاد، حيث نقل الفرس العود والبزق والطنبور وغيرها إلى بلادهم بعد احتلالهم مصر، إضافة إلى الناي والجنك "وهذه آلة الهارب الفرعونية"، ويختلف العود في بلاد فارس عن العود العربي من حيث صغر حجمه. كما عُرف العود في بلاد الهند وهو ذو الرقبة الطويلة القريب شكله من الطنبور، وجسمه كمثريّ الشكل، وعلى رقبته مجموعة من (الدساتين) المعدنية للضغط عليها بالأصابع، وهي قريبة من (دساتين) الجيتار. رأى بعض الكُتاب العرب أن العود جاء من اليونان وأن فيثاغورث هو الذي اخترعه، وبعضهم يميل إلى أن أفلاطون هو الذي اخترعه، وكان يُسمى باليونانية القديمة (باربتوس). عُرف العود في حياة العرب الجاهلية، كما أورد أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني عن حسان بن ثابت يصف ليالي الجاهلية: لقد رأيت عشر قيان، خمس روميات يغنين بالرومية بالبرابط وهو جمع بربط، ويعني آلة العود بالفارسية وخمس يغنين غناء الحيرة. ولقد دخل العود في شبه الجزيرة على يد سليمان الفارسي، وكان العرب يطلقون على العود عدة أسماء منها "ذو الزيد، ذو العتب، المُستجيب، المعزاف..". وفي عهد الخلفاء الراشدين شاع استخدام العود على يد ابن سريح في مكة، ثم سيرين التي كان لها صوتٌ شجي، ووصل الأمر إلى أن تقوم مائة قينة يعزفن معاً في وقت واحد. في العصر الأموي شاع استخدام العود لأن الخليفة عبدالملك بن مروان كان موسيقياً وملحناً وعازفاً لأنواع الغناء، وكان يُشجع الموسيقى ويُجزل العطاء للمغنين والعازفين. وزاد تقدير الدولة الأموية للفنانين في عهد يزيد بن عبدالملك؛ كما انتشر العود في عهد الدولة الأموية في الأندلس، وهو ذو الأربعة أوتار والخمسة أوتار، وكان الخليفة المعتمد مغنياً وعازفاً، وظهر في تلك الفترة "756 -1031" الفنان (زرياب)الذي أبهر العالم بفنه، ووصل هذا الفن إلى أوروبا طيلة خمسة قرون. (www.sama3y.net) ولقد خصّت كتارا في نسخة المهرجان الثانية العالم "الفارابي" بالتقدير عندما اختارته ليكون أيقونة المهرجان تقديراً لعلمه ودوره في علم الموسيقى، إضافة إلى اهتماماته الأخرى، تماماً كما كان له الفضل في ترسيخ علم الموسيقى. فلقد ولد هذا الفيلسوف والعالم في فاراب من بلاد ما وراء النهر "كازاخستان" اليوم عام 874 ميلاية، وهو يجمع إلى جانب الموسيقى الرياضيات والفلسفة والسياسة. ولقد وضع كتاباً ضخماً أسماه "الموسيقي الكبير"، وهو من أهم الكتب مرجعية في علم الموسيقى. وكما جاء في كتيب المهرجان، فإن الرؤية الخاصة بالمهرجان قد تلخصت في الآتي: "يتطلع مهرجان كتارا الثاني لآلة العود/ "الفارابي المعلم الثاني" إلى الريادة والتميّز في مجال النشاط والحركة الموسيقية، كما يتطلع إلى الإشعاع على المستويين الإقليمي والدولي من خلال التواصل مع كل الثقافات والمدارس الفنية المختلفة لآلة العود، بغية رد اعتبارها والإسهام في تأكيد حضورها ودعم تواجدها في الفعاليات الثقافية". وبعد، فإن الموسيقى تصلح ما تُخربه الخلافات السياسية، وتُقرّب الشعوب، ما يُمكن أن يمسح المساحات المشوهة لوجه هذا العالم، وتسد الطريق على الذين لا يعترفون بحق الإنسان في الحياة، ولا بوجود زوايا الجمال، لأن أنفسهم لا يسكنها جمال ولا عدالة ولا طمأنينة. شكرا "كتارا"، فلقد سُعدنا بتلك الأمسيات الرائعة، وتم انتشالنا من زحمة مآلات الحياة الضاغطة.