17 سبتمبر 2025

تسجيل

الإدارة في مجال الإبداع

11 أبريل 2016

علمُ الإدارة له مواصفات وقواعد قد تصلح في إدارة أو وزارة معينة، ولا تصلح في غير ذلك من الإدارات والوزارات! وذلك على اعتبار أن إدارة الموظفين يمكن أن تكون موحدة لكل الإدارات والوزارات استناداَ لوضوح قانون الخدمة المدنية الذي ينظّم هذا الشأن.أما الإدارات أو الوزارات المتخصصة، مثل الإدارة الأكاديمية، وتلك المتعلقة بالشؤون الثقافية والإبداعية مثل الفنون والموسيقى وفنون الكلمة، والإذاعة والتلفزيون، فإدارتها تختلف، ولا يمكن تطبيق قانون موحد عليها، كون تلك المجالات متحولة ومتجددة، نظرًا لارتباطها بحركة الإبداع العالمي، وبالجديد في نماذج الإبداع! ولهذا لا يمكن تطبيق القانون العام على مثل هذه الإدارات المتخصصة. كما أنه يجب توافر مواصفات في القائمين على مثل هذه الأجهزة، قد لا تتوافر في غيرهم من المديرين أو المنفذين للشأن الثقافي والفني والإعلامي.كما أن الرؤية التخصصية في مجال الإبداع لا يمكن أن تتواءم مع الرؤية العامة في الإدارة! فالمدير القادم من خلفية مالية حسابية محضة، لا يمكن له أن يُقيّم إدارة مثل الفنون التشكيلية أو الإذاعة أو المسرح! وبطبيعة الحال، فإن الخبراء الذين يؤتى بهم لتحديد مستقبل المجالات الإبداعية قد لا يكونون مُلمين بالتخصص الدقيق الذي "يُستفتون" فيه! مثل الرواية، المسرح، الفنون التشكيلية، الموسيقي، التأليف، النحو والصرف، وفن الإلقاء لدى المذيعين.. وغيرها من المجالات! وهنا يحدث الصدام بين الفريق المتخصص "المبدع" وبين الإداري والخبير العام، الذي قد لا يرتاح لبيت شعر لامرئ القيس، أو للحن شجي، أو سرد متقن في قصة أو رواية، وقد يساهم هذا الرأي إن قُبل، في وأد موهبة أو مشروع إبداعي يخدم المجتمع! ومع تطور نظم الإدارة، ونزوع العالم إلى التخصص والمأسسة، تلح الحاجة إلى إعادة النظر في أسلوب إدارة الإدارات والهيئات الفنية المتخصصة. حيث إن بعض هذه الإدارات –في العالم العربي– عانت من كثير من المعوقات التي حالت دون تحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، نظرًا للتوظيف السياسي الذي لم يأخذ في الاعتبار خصوصية تلك الإدارات ونشاطاتها الدقيقة. وما زاد الطين بلّةً أن بعض المديرين في تلك الإدارات قد "استوردوا" خبراء لم يكونوا متخصصين في تلك المجالات، بل ولم يمارسوا النشاطات والفعاليات المتخصصة، والتي تعتمد في الأساس على الموهبة والدراسة المتخصصة. لذا، قد نتعجب أن تتحول إدارة متخصصة من تلك الإدارات إلى إدارة قانونية أو محاسبية، طبقًا للخبراء الذين يُعينون فيها، ولرؤية القائمين عليها.وهنالك مثل خليجي بليغ يقول: "عط الخباز خبزه ولو أكل نصه"! وهذه قاعدة ذهبية تؤكد قيمة التخصص، وأهمية أن يمارس كل شخص دوره الذي يتقنه وأن يتم تأهيل النشء نحو التخصصات التي تحتاجها البلاد ضمن الخطط الخمسية أو العشرية التي تضعها الدولة.إن وجود مدير في الإدارة الثقافية مثلا، لا يمكن أن ينجح أو يحقق الأهداف المرجوة من الإدارة، ما لم يكن مُلمًا بالفنون، متذوقًا للشعر، مُطلعًا على التراث المادي وغير المادي، يعرف في طرائق الفنون التشكيلية، بل ويُشترط أن يتقن اللغة العربية الفصحى التي هي أساس التواصل في مجال الثقافة.كما أن وجود مدير للدراسات والنشر في إحدى الهيئات، لا بد وأن يكون هذا المدير مؤهلًا علميًا للحُكم على الدراسات التي تُعرض عليه، وأن يأتي من خلفية ثقافية علمية في آن واحد. حتى يُحقق أهداف الإدارة! بل ولا بد وأن تكون له خبرة وممارسة تؤهله للقيام بمهام عمله. فقد يحكم على عمل جيد ويُبعده عن دائرة الاهتمام، في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمعُ لهذا العمل. بل وقد يكون هذا المدير حجر عثرة أمام مبدعين لا تصل أصواتهم لصاحب القرار في المؤسسة.كما أن وجود مدير للإذاعة مثلًا، يُحتِّم أن يكون هذا المدير مُلمًا بشرائح المجتمع، وأهمية توزيع خريطة البرامج طبقًا للجمهور المُستهدف ونمط الاستماع، وأن يكون عارفًا –على الأقل- بالبرامج التي تحتاجها مرحلة التنمية في مجتمعه، تمامًا، وأن يكون عارفًا بتطوّر آليات وأدوات التقديم الإذاعي ومتابعًا لأحدث الإنتاج الغنائي والدرامي، ناهيك عن دوره في استيعاب الأخبار واتجاهاتها. وإذا ما أراد هذا المدير النجاح لا بد له من الاستنارة ببحوث المستمعين، والمتخصصين في هذا المجال.إن إدارة الإدارات الفنية المتخصصة مهمة ليست سهلة، كما أن الرؤى قد تبدو متباينة بين هؤلاء المتخصصين في مجالاتهم وبين ما يشاهدونه ويسمعونه من تطبيقات على الأرض. بل وبين ما تتطلبه فنيات العمل. ولا بأس من التدريب والتوجيه، إن كان القائم على مثل هذه الإدارات قابلًا للتطور، خصوصًا إن قرّب منه المتخصصين في ذات المجال.