14 سبتمبر 2025
تسجيلتطفو على السطح من جديد قضية تأمين الغذاء للمجتمعات في النزاعات المسلحة والأزمات ، وما يستتبعها من مشكلات تتعلق بمصادر المياه والكهرباء والطاقة والخدمات ، إذ بات تحقيق الأمن الغذائي هاجساً يؤرق واضعي سياسات الاكتفاء الذاتي والمؤسسات الدولية التي تحاول جاهدة الحد من مخاطر الأزمات والكوارث. لقد مرّ العالم في الأشهر الماضية بسلسلة من الإخفاقات وأبرزها عدم التوصل لحل جذري لديون اليورو ، وتفاقم اضطرابات الشرق الأوسط التي أتت على مختلف أوجه الاقتصاد العربي ، وغياب التخطيط والتنسيق العربي في مجالات الزراعة والصناعة والتعدين لمواجهة كوارث البيئة والجفاف والتوترات المجتمعية . تعيش المؤسسات الدولية هاجس تأثيرات الحرب النووية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية ، وما سينجم عنها من تداعيات خطيرة جداً على الإنتاج الاقتصادي بشتى أشكاله ، فالمخاوف الدولية من عدم إمكانية تحقيق اكتفاء غذائي أو مائي خلال الأزمة أو بعدها تتجدد كل حين من خلال التهديدات المعلنة بين الدول الكبرى ، وتوقعات بحدوث انهيارات كبيرة في مختلف أوجه الاقتصاد ، بشكل ينعدم معها الحصول على مصادر غذائية مؤمنة أو مستقرة لدول المنطقة . ففي ظل استعدادات جارية لبدء نزاع نووي يلتهم التنمية فإنّ المؤسسات الدولية تسعى لإيجاد حلول لأزمات وقضايا ما زالت عالقة مثل الجفاف والتغير المناخي ونقص الغذاء وانتشار الأمراض والأوبئة . تشير التحليلات الدولية إلى أنه مع الزيادة المهولة لأعداد البشر المتوقعة بنحو "5،2"مليار إنسان بحلول 2050 لابد من منهجية واضحة للزراعة والغذاء والمياه في العالم وإلا ستنذر بالأزمة كارثة مجاعة لا محالة. وتلوح في الأفق أيضا ً تحديات بيئية خطيرة ستفاقم من حدة نقص الغذاء وهي التغير المناخي وانتشار الأمراض والأوبئة ومخاطر من وصول تأثيرات انتشار السلاح النووي على الإنتاج الزراعي والمحاصيل ، وانعدام التوازن بين القوى الاقتصادية عالمياً إلى مصادر ضرورية لاستمرارية الكوكب وهي الغذاء والماء. فقد رصد تقرير المنتدى الاقتصادي للعام الحالي الأمن الغذائي بأنه مصدر قلق رئيسي وأنّ هناك "870"مليون جائع عالمياً ، وأنّ الخطر يتفاقم بسبب الأحداث المرتبطة بالمناخ وارتفاع الأسعار وانتشار أمراض الحيوانات والطيور وتأثير الخلل المناخي على الزراعة والقطاع السمكي . وحدد أنّ مقومات الأمن الغذائي في سلامة الخصائص الجغرافية والمناخية والبيئية والغابات والموارد المائية والزراعية والبشرية والحيوانية وفي حالة عدم تحقق المقومات فإنّ الفجوة الغذائية حاصلة لا محالة وتبدو آثارها ماثلة بيننا. يرى تقرير لجنة الأمن الغذائي "الفاو" أنّ انعدام الأمن الغذائي هو أكبر معوق للتنمية الاقتصادية إضافة ً إلى النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والجفاف وهي السبب الرئيسي في أكثر من "35%" من حالات الطوارئ الغذائية ، وأنّ أكثر من نصف البلدان التي ينتشر فيها نقص الغذاء ، وأنّ "75%" من سكان العالم يعيشون في مناطق متضررة ، ويتعرض مليارات الناس في أكثر من "100" بلد لحالات جفاف وفقر وزلازل وأعاصير و"11%" معرضين لأخطار بيئية. ويذكر تقرير "الفاو" أنه في السنوات الأخيرة زاد انتشار الأمراض الناشئة والآفات العابرة للحدود ، وزاد تعرض الإنسان لأمراض الطيور والحيوان والفيروسات ، وهذا يقابله تراجع كبير في إنتاج المحاصيل والحبوب ، وارتفاع وتيرة مخاطر التعرض للكوارث وخير دليل على ذلك الجفاف الذي ضرب مزارع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأثر تأثيراً بالغاً على إنتاج الحبوب في العالم. واستشهد هنا بالجهود التي بذلها برنامج الغذاء العالمي لتوفير مؤن غذائية للمتضررين حول العالم وأهمها توفير المؤن لأكثر من مليونيّ لاجئ ومتضرر في الأزمة السورية كما قدم برنامج "الفاو" 42"مليون يورو لدعم الشعب السوري ، وقدم مساعدات بقيمة "31،4"مليون يورو بسبب النزاعات الحدودية بين السودان وجنوب السودان، وفي العام 2011 فرّ "185"ألف لاجئ صومالي إلى دول مجاورة بسبب نقص المياه والغذاء الناجم عن الجفاف .. وهي أمثلة واقعية تتطلب معها السعي لحلول جذرية إلا أنّ المؤسسات الدولية تعكف حالياً على توفير مخزون غذائي يفي باحتياجات المستقبل للمجتمعات في حال نشوب حرب نووية أو كيمياوية. وأشار "الفاو" إلى أنّ عدد من لا تتوافر لهم إمدادات غذاء آمنة ارتفع من "3،3"مليون شخص في 2011 إلى "4،7"مليون شخص العام الجاري ، فقد ارتبطت أزمة الغذاء بالأزمات والصراعات الدائرة ، وستعمل الأزمة الكورية في صراعها مع الغرب على الوصول بالأزمة إلى منحى خطير .