18 سبتمبر 2025
تسجيلغريب أمر هذا الغرب ففي الوقت الذي يغرب عن وجهه الإنصاف والعدل في العلاقة في بعض المواقف يَعجَب من عدم وجود التوافق على الرؤى التي يفرضها والتي يتسق بعضها مع نوع من المنطق فيما يرزح المنطق برمته تحت وطأة تجاهله وإعراضه في مواقف أخرى والتي من الوضوح ما يبرز فيها الطرف المعتدي والمعُتدى عليه إذ يحيد عن قناعاته ببساطة وبشكل يجسد الاستخفاف بالعقول بتمييع هذه القناعة لسبب يبدو واضحاً وضوح الشمس في رائعة النهار. فحينما اشتد ساعده في تمرير بعض القناعات التي تعزز من مواقفه بدواعي الإخاء والإنسانية نجده يغض الطرف عن القناعات المتوارية خلف الغطاء الشفاف الذي عرته صور أطفال في عمر الزهور أخذت على حين غرة لا لذنب سوى وجودها في مكانها الصحيح لتواجه الزائر الخطأ واقتحامه الجائر للمكان فما طفق الغرب مبدلاً إزار الديموقراطية التي يتشدق بها ليل نهار لتدق آخر مسمار في صدقيتها بإزار فضفاض يتسع لاحتمالات تنبري لها عوامل تعرية الضمير الذي لم يجد ما يستره بيد أن المسرحية كانت على الهواء مباشرة، فكانت النتيجة هي الخروج عن النص بافتعال تشوبه الريبة . أي أن الرهان على السيناريو المعد سلفاً لم يعد يوافق رغبة الجماهير، بقدر ما احتواها النص التلقائي الخالي من التزييف والتضليل، وبالتالي فإن العقل أمسى رهناً للشكوك والتخرّصات، ومكبلاً بالهواجس وسوء الظن الذي ما برح ينخر في صدق النية وسلامة التوجه، فهل يجيز العقل والمنطق التعسف على هذا النحو، ألا يدعو الأمر للغرابة؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذا التباين في المعطيات، وفقاً للمعايير المزدوجة بهذا الخصوص سيسهم في إفراز الآثار السلبية طبقاً لهذه المعادلة المفتقرة للاتزان، فالمراهنات عادة ما تكون في حلبات السباق ومضمار الخيول لا أن تصل إلى العقول، فإرادات الشعوب لا تخضع للمراهنات والمزايدات، بقدر ما يوفر لها الاحترام قيمة طبيعية تستحقها. واحترام هذه الإرادة يجب أن يصاحبه حسن النية. وحسن النية يفرض المنطق المتعقل المتزن إزاء فرض الرؤى بصيغة عادلة وفاعلة. فيما تكتنف هذه الصيغة وفق استقراء الواقع عمليات جراحية تجميلية ترنو إلى خنق المضمون مع بقاء الشكل كإيحاء رمزي ليس إلاّ، أي أن هذه الصيغة تكون من الوضوح بمكان حينما ترتبط بمصالحه بيد أن غياب التدخلات الجراحية في بعض المواقف باتت تدعمه تفسيرات وتنبؤات لا تتكئ على منطق، فضلاً عن انتقاء حسن الظن الملهم لكل توجه نبيل خلاق. غير أن أسوأ ما في هذا الأمر انتقاء التبرير المنطقي والعقلاني. إن الوقت قد حان للإدارة الدولية لبسط النفوذ المنطقي والموضوعي لكبح جماح التسلط والاستبداد وبموجب الالتزام الأدبي والأخلاقي، تجاه منح الشعوب حقوقها المعنوية والاعتبارية التي تحفظ لها سلامها وكرامتها من خلال المعايير المنصفة، وبمعزل عن فرضية منطق القوة، فمن خلال منطق القوة لا يمكن أن يتحقق السلام، حيث إن مفهوم القوة بهذا الصدد سيؤثر على الحيادية والتجرد بل إن الأجدر هو الاتكاء على قوة المنطق بدون تحيز مخلٍ ومواربة مملة، إن صيانة الأخلاق وحمايتها وفق المعايير المتسقة مع المفهوم الذي يحقق أعلى مستوى من درجة الحماية وتطبيقها مرهون بتحقيق الإنصاف والعدل في العلاقة فيما يسهم غيابهما في انتفاء تحقيق المصالحة مع الذات وهذا مدعاة لنشوء صراع مرير بين ما يقره من ناحية ويلتف عليه من ناحية أخرى مهما بلغت المبررات من حرفية في تحوير المسار، هذا الصراع المرير هو المقياس لدرجة التحلي بالأخلاق وتحقيق المصالحة مع الذات والرضا عن الأداء أو التخلي عنه، ومن هنا فإن مواجهة مد هذا التناقض يتطلب ثقة وإصراراً على إحقاق الحق وتحري الدقة في تطبيقه، والعالم من حولنا ينوء بكمّ وافر من هذه المشاهد، فغمط هنا وظلم هناك، ويبقى الصراع نحو تحقيق المصالحة مع الذات متوقدا ولا يهدأ، فهو وإن بدا في الظاهر غير مؤثر فإنه بمن يستشعره لا يفتأ أن يتحول مستفزا عنيدا، لا يكل من إبراز الحجة كلما حاول التجاهل والنسيان وطي هذه الصفحة، ولا يمل من المكاشفة كلما حاولت التبريرات أن تغطي هذا الجزء لأنها وبكل بساطة تفتقر إلى المنطق وبالتالي فإنها تستعصي على التغطية، إن أقسى ما يعانيه صاحب الفكر السليم والعقل الراجح هو سطوة الانحياز التي ما برحت ترهق الجميع، بل إن مرارة الشعور بهذا الأمر تكون أقسى ولا ريب على من يملك النفوذ قياسا على ما أسلفت، وهذا الأمر يتطلب مهارة عالية ومرونة في تحقيق الانسجام، ولا يتم هذا الأمر بطبيعة الحال إلا في بسط العدالة بكل ما تعنيه من حفظ للحقوق.