29 أكتوبر 2025

تسجيل

الحروب التجارية.. لا رابح فيها

11 مارس 2018

القيود الحمائية ضد الاقتصاد العالمي كان أول المحذرين من العواقب الخطيرة للحرب التجارية التي سوف تترتب على قيام الرئيس ترامب بالتوقيع على مراسيم فرض ضرائب جمركية على واردات الصلب والألمنيوم هو صندوق النقد الدولي الذي قال إنها سوف تقضي على آمال الانتعاش الاقتصادي بينما قال رئيس منظمة التجارة العالمية إن حرب الرسوم الجمركية حالما تبدأ سيكون من الصعب إنهائها. وبعيدا عن الحرب الكلامية المتبادلة بين الولايات المتحدة وشركاءها التجاريين الرئيسيين، فأن جوهر السياسة الأمريكية الجديدة تتجه نحو إنهاء مرحلة مشروع مارشال الذي أطلقته بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة أعمار أوروبا وقدمت ضمنه مجموعة من الامتيازات التجارية للأوروبيين لمساعدتهم على أعمار بلدانهم التي دمرتها الحرب وذلك بحجة إن الأوربيين لم يعودوا بحاجة لمثل هذه التسهيلات، فقد أصبحوا دولا كبرى تنافس الولايات المتحدة الند للند. ومما يثير الاستغراب حقا ويكشف عن حجم التناقض بين السياستين التجاريتين للولايات المتحدة بين عهدي أوباما وترامب أن الأول كان يسعى جاهدا حتى أخر ولايته لإبرام اتفاقية "الشراكة عبر الأطلسي" بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهدف تحرير التبادل التجاري والتي كانت ستفضي إلى إنشاء أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم، تضم نحو 800 مليون نسمة، وتشكل 40% من الناتج الاقتصادي العالمي، و50% من التبادلات التجارية العالمية مع 4 تريليونات من الاستثمارات المشتركة. والأغرب إن المعارضة الشديدة لهذه الاتفاقية كانت تتركز آنذاك في بعض دول الاتحاد الأوروبي وليس الولايات المتحدة. إن الهدف الرئيسي لموافقة ترمب على قرار الرسوم، هو – بحسب عزمه - خلق 33 ألف وظيفة لتوسيع الصناعة المحلية في الولايات المتحدة. لكن محللين يرون إن الحكومة الأمريكية وعلى مدى عقود من الزمان حاولت من وقت إلى أخر حماية صناعة الصلب لكن هذه الجهود أضرت باستمرار المستهلكين دون فوائد واضحة. وتعتبر أحدث هذه المحاولات هي ما يسمى بالضمانات التي فرضتها إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش في عام 2002، والتي أدت حينذاك إلى زيادة التكاليف وتدمير نحو 200 ألف وظيفة. وتبين إحصائيات وزارة التجارة الأميركية أن أكبر مصدري الصلب للولايات المتحدة هم كل من كندا والبرازيل وكوريا الجنوبية وروسيا، فيما حلت الصين في المرتبة الحادية عشرة. وبالنسبة للألمنيوم، احتلت المراكز الأولى كندا وروسيا والصين. فكندا تصدر ألمنيوم بقيمة 6.9 مليار دولار وصلب بقيمة 5.5 مليار دولار وقد استناها بجانب المكسيك المرسوم من التعرفة الجديدة، فيما بدا واضحا أن المستهدفين الرئيسيين من الرسوم هما الاتحاد الأوروبي والصين اللذين لا تتجاوز صادراتهما 5% من إجمالي الواردات الأمريكية من هاتين المادتين. وقد هدد الاتحاد الأوروبي بفرض  ضرائب مماثلة على واردات  أمريكية هي الصلب والملابس والأحذية وغيرها بقيمة 3.4 مليار دولار. بينما تهدد الصين بفرض ضرائب مماثلة على واردات فول الصويا والسرغوم تبلغ 15 مليار دولار.    هذه الحرب التجارية المستعرة تعكس حقيقة جوهرية وهي إنها جاءت كثمرة مريرة لحروب عسكرية وغير عسكرية خاضتها الولايات المتحدة ما بعد الحرب العالمية الثانية في العديد من دول العالم كبدتها، علاوة على الخسائر البشرية الجسيمة ودمار البلدان، عشرات التريليونات من الدولار في الوقت الذي تفرغ فيه بقية الغرب الصناعي والصين وغيرها لبناء قواها الاقتصادية المتطورة وذات التنافسية الكبيرة بالمقارنة مع القدرات التنافسية للاقتصاد الأمريكي. وبدلا أن تبحث الإدارة الأمريكية اليوم في صلب الأسباب التي أوصلتها لهذه الحالة، سارعت لاستخدام القيود الحمائية لحماية اقتصادها، وهو أسلوب يعاكس مسار الاقتصاد العالمي.