18 سبتمبر 2025

تسجيل

"الحُــــــبُّ في زمـــــنِ "الأبارتـــــايد"

11 مارس 2013

منذ عهد قديم ووقت عصيب للموت بالجملة وفرضيات الحجر الصحي في زمن الأوبئة، منذ عهد "الحب في زمن الكوليرا" وهي أشهر روايات الكولومبي جابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل في الآداب، إلى جديد حملة "الحب في زمن الأبارتايد" ذلك العنوان الذكي الواعي الذي وضعه الفلسطينيون الأحرار لحملتهم ضد الكيان الصهيوني، للتنديد بالإجراءات التعسفية ضد "الحب" و"الزواج"، ولمِّ الشمل بين عرب الضفة الغربية وعرب الـ "48" داخل الأراضي العربية المحتلة، ليشكل "الأبارتايد" في تعريف أصحاب الحملة فصلا جديدا لا يقل ضراوة بل هو أشد من ذلك الفصل، الذي قتل أمما وشعوبا وفتك بها مثل وباء الكوليرا.. وليكون العنوان المنتقى علَما دوليا على حق شعب يجب أن يعيش، ويجب أن يلتفت إليه العالم بأسره، خصوصا أن الحملة لفتت لقضية مهمة، وهي إدانة "القوانين العنصرية التي تمنع جمع شمل الأسر"، وتمثلت ايضا بعنوان لرواية كاتب عالمي عرف عنه البيان الحقوقي الشهير الذي طالب فيه المثقفين العرب بأخذ موقف قوي وموحد في نصرة القضية الفلسطينية.. من المهم أن يسلّط الضوء بحملة إجرائية على انتهاك أهم حق للإنسان "تكوين الأسرة" وأهم عواطفه "الحب"، وكشف فضائح الفصل العنصري الذي تمارسه قوات الاحتلال في مختلف مناشط الحياة، حين منعت يوم أمس الأول إجراء "زفاف رمزي" فلسطيني ـ عربي أصيل، كان مقررا قرب جدار الفصل بقرب حاجز لجيش الاحتلال على الطريق بين القدس ورام الله، حيث كان مقرراً ان تصل "العروس" من الناصرة شمالي اسرائيل للاحتجاج على الإجراءات التي تهدف الى وضع عراقيل في طريق الزيجات بين سكان الضفة الغربية وعرب 48، ولكن الجيش منعها بل واستخدم قنابل الصوت لتفريق حشد من الفلسطينيين على الجانب الآخر.. في الوقت الذي يفتح فيه الكيان الإسرائيلي المحتل الباب على مصراعيه ليجمع من لفظتهم الأرض من كيانات متعددة من شراذم اليهود في العالم، داخل أرض فلسطين: أرض العرب، ويبني لهم مستوطنات على انقاض هدم بيوت عربها، غير متورع بحق أصحابها، تزداد ممارسات الفصل العنصري والقمع على اصحاب الحق والأرض من العرب.. القضية ليست وقتية بل هي انتهاكات مستمرة وواضحة مسكوت عنها، وتأثيراتها تفتك بحقوق الإنسان الفلسطيني داخل ارضه المحتلة، خصوصاً بعدما صادقت محكمة الاحتلال العليا في يناير 2012 على قانون سنته الحكومة يحظر على الفلسطينيين المتزوجين من عرب 84 الحصول على الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة في إسرائيل. مما حدا بأصحاب الحملة الى التنويه الى اضراره من انه "يحرم الفلسطينيين من أهالي الضفة والقطاع، ومن حاملي الجنسية الإسرائيلية من حقهم في لم شمل أسرهم وحقهم في الإقامة أينما يريدون، في مخالفة للقانون الدولي، خصوصا أن الحظر امتد من منع الفلسطينيين من الزواج من جنسيات عربية محددة، الى منعهم من الزواج من اهلهم من الضفة وغزة، وقد وصل عدد الممنوعين من حق لمِّ الشمل كما صرحت الحملة حوالى 130 ألف فلسطيني بعد زواجهم، سواء كان العريس من الضفة الغربية والعروس من الداخل او العكس.. هذا وفي عصر الأبارتايد كانت اسرائيل المحتلة منذ مطلع هذا الشهر "مارس" ايضا تمادت في حجرها على العرب الفلسطينيين في تدشين خدمة حافلات خاصة لنقلهم من الضفة الغربية الى داخل اسرائيل، بدعوى أن استخدامهم الحافلات نفسها مع اليهود يشكل تهديداً أمنياً.. ومهما تعللت لتطلف ذلك دوليا فإنها لم تقنع حتى نشطاء حقوق الانسان منها، إذ قالت ساريت ميخائيلي: "إنها عنصرية بحتة. إن الفصل العنصري في الحافلات أمر مقزز.. لدى (الفلسطينيين) جميعا موافقات أمنية، ولذا فالتحجج بالأمن وتوفير الراحة لهم ليس إلا غطاء للعنصرية". هذا واسرائيل المحتلة تتشدق بأنها النموذج المتفرد للديمقراطية والحريات في الشرق الأوسط. وهي كما نعلم البنت الربيبة لأمريكا، والمولعة بتاريخ الديمقراطية المزعومة وحقوق الانسان، ولكن يبدو انها لم تتعظ من درس الفصل العنصري بين السود والبيض في أمريكا والتي انبثقت رياح التغيير والحرية والمساواة فيه بين العرقين من صرخة مدوية أطلقتها "روزا باركس" في الحافلات العامة، رافضة التنازل عن مقعدها لرجل ابيض حسب العرف القديم العنصري. وأدى اعتقالها وتغريمها إلى بدء 381 يوماً من الإضراب عن ركوب الحافلات، وثورة نظمها مارتن لوثر كينج وشكلت بداية عملية إلغاء التمييز العنصري بين المواطنين على أساس اللون في وسائل النقل، الذي وصل ذروته عام 1964 بصدور قانون الحريات المدنية الذي حرم التمييز على أساس العرق في الولايات المتحدة. أبارتايد اسرائيل — ونطلق عليها "المحتلة" ونكرر "المحتلة" لا "صاحبة الحق أو الأرض" — لن يستطيع أن ينخر حق الشعب في أرضه، كما لن يستطيع ان يعزل وحدة تكوين الكيانات البشرية أو الحبَ بجدار.. فلصرخات الحقوق من أفواه المنتهكين والمستضعفين في الأرض، منذ فجر التاريخ بشارات ودلائل نافذة على مضائها وتحقَقها.. وفي الأدب أيضا كما التاريخ جاء العنوان تيمّناً، ليؤكد كما الواقع أن الهدف سيتحقق والحقّ في الحياة سينتصر.. لأنه يسري من الوريد الى الوريد حب الوطن وحب الشريك.. وكما علقت سفينة بطل رواية "ماركيز" بين ضفتي النهر رافعة علم الوباء الأصفر، دون أن ترسو إلا للتزود بوقود بادعائه انتشار وباء الكوليرا فيها "وهو صاحبها" بهدف البقاء مع الحبيبة، سيهزمُ أعتى حبيّن ِالجدارَ الحجري والافتراضي... "حبّ الوطن.. وحبّ الآخر" ليهزم عربُ الـ 48 وعربُ الضفة والقطاع أعني "الفلسطينيون متوحدون" — بإذن الله — أفتكَ وباءٍ مُنيت به الأمة الإسلامية.. وباء "احتلال" استشرى بنا.. لم يعرفه زمن طاعون أوروبا الأسود، ولا وحش كوليرا الكاريبي الأصفر.