15 سبتمبر 2025

تسجيل

ذو الأجنحة القوية!

11 مارس 2012

بأجنحته القوية التي حاول أن تظل هكذا، كان يحميهم ويضمهم إليه، لم يكتف بحنان والدتهم التي لم تقصر معهم بل كان هو الأكثر منها، بل إنه جعلها واحدة منهم، يحنو ويعطف عليها، ويخشى عليها وعليهم من أي بادرة خوف أو ألم أو شعور بنقص ما، احتواهم في عشهما الدافئ، أغدق عليهم كل أنواع الحياة، لم يستطع أن يقسو ولو لحظة إلا لمصلحة أو تأديب، كانوا أمامه يشبون، وهو ما زال لهم الحاضن الملتف بجناحيه حولهم، علمهم الطيران خطوة خطوة لم يفارقوه في أي مناسبة كانت، يقفون وراءه ويعرفهم بمن يقابله فخور بهم فهم العزوة له والذكرى الطيبة بعده. كان يقوى أجنحته ويغذيها ويدفع فيها كل نشاط، مهما كان يشعر من وخز لألم يحرك كل نبضات عروقه، ومع ذلك كانت تلك الأجنحة قبل أن يلفها حول صغاره ملتفة حول والديه، فهو المطيع لهما الملبي لطلباتهما، المتحمل لكل ما يمكن أن يشعرا به من ألم أو يلم بهما من مرض، فهو أول أبنائهما وأكبرهم ولابد أن تكون لهما الرعاية والحنان قبل غيرهما، أعطاهما حقهما، وشكرا له ذلك وكان يرد هذا الشكر بتقبيل أيديهما. برهما وخفض لهما أجنحته من الذل والطاعة وسمع ما يقولان له، وأكرمكهما في شيخوختهما حتى أخذ الله تعالى أمانته منه، وغابا عن الدنيا، وظل في ذكراهما، أدرك بقلبه الكبير أن الحب الذي يحتوي هذا القلب لابد أن يشمل الجميع من قريب وصديق، وأن هذه الحياة ما هي إلا لحظات نظنها سنوات، ولكنها تنقضي كما رمشة العين، فأصبح يغدق من هذا الحب ويعطي، ونسى أو تناسى في خضم كل ذلك نفسه، وظن ما فيه إلا لسعات من الألم لا تلبث أن ينطفئ لهيبها بمجرد ابتلاع نوع من الدواء، وسيعود قويا فارداً أجنحته على الجميع وأولهم صغاره، الذين كبروا وترعرعوا وصاروا شبابا وفتيات، وما زال ينظر إليهم كرضع مازالوا في المهد. يزداد يوماً بعد يوم هزالاً، ويتوه وسط ملابسه، ويكاد لا تبدو ملامحه داخلها، ويخفي ما في نفسه على كل من حوله وهو يذوب داخلياً وينصهر لدرجة الغليان حتى وصل إلى أقصى درجاته، فبدا الألم واضحاً، ولكن ما السبيل إلى إعادة ما كان سابقا، وقد قضى على كل شيء، فما عاد هناك أمل إلا في استبدال ما كان يغلي، فكانت المحاولات ولكن لا مناص عما هو كائن ومكتوب، فالقدر كتب له النهاية وأمر الله قد قضى، وأصبحت أجنحته التي كان يحاول أن تظل قوية منهارة وعاد ضاماً تلك الأجنحة ليفردها من جديد في جنات النعيم بإذن الله.