18 سبتمبر 2025
تسجيلبين 8 مارس "اليوم العالمي للمرأة" و21 منه "عيد الأم" مساحة ربيعية فاصلة تمتد إلى ما قبل وما بعد التاريخين, لتلقي بوجهها على التضحيات الهائلة للمرأة العربية: أمّاً وأختاً وزوجة وحبيبة، وقبل كل شيء: إنسانة مجبولة على العطاء والفداء والتضحية وكل المعاني والمضامين الجميلة الأخرى، ابتداء من الصغر ووصولاً للشيخوخة. يأتي يوم المرأة هذا العام الذي تتميز بدايته, بالانتفاض والثورة على الظلم والفساد والدكتاتورية والاضطهاد، يحمل ألقَه ووهجه والاطمئنان إلى المستقبل المشرق لعموم أبناء الأمة العربية، والمرأة تحتل النصف الثاني من المجتمع العربي، فبالضرورة سينعكس كل ذلك إيجاباً على وضع المرأة العربية. تاريخياً، عانت المرأة العربية بشكل أقسى من الرجل في مجتمعاتها، فهي تعاني بالمعنى الوطني، والاضطهاد الممارس على عموم الشعب، لابد وأن يطال المرأة، وفي أغلب الأحيان (إن لم يكن في كلها) تعاني المرأة اضطهاداً مركباً، إن بالنظرة الدونية لها في بعض المجتمعات العربية, أو في المعاناة من ظلم الزوج، الذي قد يتصور أنه الحاكم بأمر الله، وأن المرأة هي من وجهة نظره ليست أكثر من آلة للقيام بمهام البيت كلها دون مساعدة إلاّ من بناتها المكلفات أيضاً بالخدمة في البيت (وهذا على سبيل المثال لا الحصر)، لذا فإن وضع المرأة العربية بحاجة إلى الكثير من الإنجازات على صعيد الحقوق. لقد خاضت المرأة العربية إلى جانب الرجل, معارك التحرر الوطني للشعوب العربية، على صعيد نضالاتها من أجل حرية واستقلال الوطن وإنجاز كافة المهام الوطنية، وفي أحيان كثيرة أيضاً حملت السلاح إلى جانب الرجل وقاومت ولا تزال تقاوم المحتلين، ولعل التجربتين الأبرز في هذا المجال: ما خاضته المرأة العربية في الثورة الجزائرية وما خاضته وتخوضه حتى اللحظة في الساحة الفلسطينية. صحيح أنه وبالمعنى النسبي استطاعت المرأة إنجاز الكثير من الحقوق في أكثر من ساحة عربية، ووصلت إلى مستوى وزيرة وعضو في مجلس النواب، وعضو في مجالس إدارات بعض الشركات وغيرها من المظاهر، غير أنه من الصحيح القول أيضاً: أن عدد هؤلاء الرائدات لا يتناسب وحجم المرأة العددي في مجتمعاتها، وكذلك من الصحيح القول أيضاً: أن الأمية لا تزال متفشية بين صفوف المرأة في الكثير من المجتمعات العربية، بسبب النظرة الدونية لها، كذلك الفوارق بين وضع المرأة في المدن ووضعها في القرى والأرياف، ففي الأخيرة ما زالت المرأة العربية تعيش ظروفاً غاية في القسوة. كذلك صحيح أيضاً القول: إن الكثير من التشريعات والقوانين والدساتير العربية ما زالت في أوضاع متأخرة عن إعطاء المرأة، كافة حقوقها. للأسف، فإن الكثيرين من الرجال, ممن يحملون شعارات المناداة بحرية المرأة, هم من أكبر من يظلمها على صعيد البيت، فالتنظير يكون للأخريات وليس لنساء بيت الرجل، هذه الصورة تنطبق أيضاً على الكثير من الأحزاب العربية, التي تطلق إلى جانب أسمائها: الوطنية التقدمية، ما تزال تضطهد حقوق المرأة في بنيتها التنظيمية، بدليل قلة عدد النساء بين صفوف هذه الحركات والأحزاب، وندرة وصول المرأة إلى مراتب قيادية فيها. أيضاً للمرأة العاملة ظروفها القاسية في العمل، فالإدارات المسؤولة عن العمل وفي أحيان كثيرة, لا تراعي الواجبات الاجتماعية الأخرى للمرأة في أوساطها، باعتبارها أمّاً (مثلاً) تقوم بإرضاع طفل صغير لها، أو مسؤوليتها عن أطفالها الصغار, أو واجبها بمهام البيت الحياتية الأخرى. إن الكثير من التشريعات العربية لا تُعطي إجازة الأمومة الطويلة للمرأة العاملة, في الوقت الذي وصلت فيه التشريعات في الكثير من الدول الغربية, إلى مستويات متقدمة على هذا الصعيد.هذا لا يعني على الإطلاق اعتبار النموذج الغربي هو الأصح بالنسبة لحرية المرأة، ففي الغرب الكثير من المظاهر التي يجرى تسويقها باعتبارها عوامل إيجابية بالنسبة لممارسة المرأة لحريتها، لكنها في حقيقة الأمر تحمل في مضامينها طابع اضطهاد المرأة، كاعتبارها سلعة، والتهتك اللامحدود في ارتداء الملابس, والكثير من الممارسات الأخرى الشبيهة. في الواقع العربي أيضاً، وفي أوساط رجالية ونسائية, هناك تحريف واضح في فهم حقوق المرأة, من حيث محاولة التشبه بتلك المظاهر الغربية التي تطرقنا إليها، في تقديرنا أن هذا الفهم قاصر وخاطئ في مضامينه. في يوم المرأة العالمي:كل التحية للمرأة العربية في عيديها، نستذكر الشهيدات العربيات (بكل أقطارهن) ممن مضين على طريق التضحية من أجل بلدانهن وشعوبهن، نستذكر الأسيرات العربيات الفلسطينيات في سجون العدو الصهيوني. نحيي المرأة العربية أماً وأختاً وزوجة وحبيبة ووجوداً.