11 سبتمبر 2025

تسجيل

آل سعود وغدرهم بالكويت

11 فبراير 2018

ذكرنا في مقال سابق أن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، بعد أن انهزم من ابن الرشيد في معركة حريملاء، في سنة 1891، توجه إلى الإحساء ورفضت الدولة العثمانية دخوله إليها، ثم توجه إلى الكويت التي رفضت، بضغط من الدولة العثمانية، استقباله على أراضيها، ثم توجه إلى البادية. وبعد ذلك أرسل رسالة استرحام لحاكم قطر، وعليها تم استقباله في قطر. ولخوف الدولة العثمانية بأن يتحالف عبدالرحمن مع قبائل قطر، وافقت على ذهابه إلى الكويت، ووعدته بصرف راتب شهري، بقيمة ستين ليرة عثمانية، إن هو فعل ذلك. وصل عبدالرحمن وعائلته إلى الكويت، في سنة 1894، ولكن محمد بن صباح لم يهتم بهم، بل كان شامتاً أن الذين هددوا الكويت عدة مرات وصل بهم الحال لطلب حمايته. إلا أن أمور آل سعود تغيرت بعد وصول مبارك الصباح إلى الحكم في 1896، الذي زاد من إحسانه إليهم، ورفع مرتبتهم، وقربهم إليه. عرف مبارك أن الكويت تقع بين ثلاثة قوى كبرى تطمع فيها (إيران والعراق ونجد)؛ فلهذا أدخل الكويت، في 1899، في اتفاقية صداقة مع بريطانيا بهدف حمايتها من أي عدوان على أراضيها (ألغيت هذه الاتفاقية في 1961). استقر عبدالرحمن مع أهله، ومن ضمنهم عبدالعزيز (ابن سعود)، في الكويت لمدة لا تقل عن تسع سنوات، تحت ضيافة مؤسس الكويت. وفي الكويت تزوج ابن سعود زوجته الأولى التي توفيت بعد ستة أشهر، والثانية التي أنجبت له تركي وسعود. ولانشغال ابن سعود في الترتيب لغزو الرياض، ولنضوب الحليب من الزوجة الثانية، فقد قام جيرانهم من الكويتيين بإرضاع سعود حتى انتقال ابن سعود وأهله إلى الرياض. وعندما قرر ابن سعود، في 1901، التوجه إلى الرياض لاسترداد ملك أجداده، قام شيخ الكويت بتجهيز ابن سعود بالإبل والمؤن والبنادق والذخيرة. وهذا يعني أن الكويت لعبت دوراً كبيراً في استيلاء ابن سعود على الرياض وتأسيس إمارته. وتوسعت إمارة نجد على حساب مناطق الرشيد في نجد. وفي 1913، قام بالاستيلاء على الإحساء. وبعد أن تحقق له ذلك توجه لمحاولة ضم قطر، التي آوته وآوت والده معه، ولكن الإنجليز رفضوا مطلبه على شبه الجزيرة القطرية فقط (استولى ابن سعود على كل أراضي قطر الواقعة خارج شبه الجزيرة القطرية). وصلت أخبار غدر ابن سعود بقطر إلى الكويت، فقام شيخها، وتحسباً للمستقبل، في 1913، بتوقيع اتفاقية مع بريطانيا لترسيم حدودها مع مملكة نجد، ولكن هذه الاتفاقية لم يُصادق عليها لبدء الحرب العالمية الأولى في 1914. وفي 1915 وقعت معركة كنزان بين ابن سعود وقبيلة العجمان التي انهزم فيها ابن سعود ولجأ إلى قلعة الكوت بالهفوف، وتم حصاره لمدة تزيد على 6 أشهر. وأرسل ابن سعود يطلب الفزعة من شيخ الكويت. فقام بإرسال قوات إلى ابن سعود قلبت هزيمته إلى نصر. ولكن الغدر صفة لصيقة بابن سعود، فكما غدر بقطر من قبل، بدأ يعد العدة للغدر بالكويت. ففي 1918، أبلغ ابن سعود الإنجليز أن الكويت هي حليفة للعثمانيين، وأنها تقوم بإرسال الأسلحة والمؤن الغذائية للدولة العثمانية. كان قصد ابن سعود من هذا الأمر هو قيام بريطانيا بالترخيص له بالهجوم على الكويت، وضمها إلى مملكة نجد. ولكن بريطانيا لم تقم كما خطط ابن سعود، بل قامت بفرض حضار شديد على الكويت. ومع أن خطته فشلت، إلا أن ابن سعود فرح بحصار الكويت، وكان يأمل أن يخنق الحصار الكويت ويضعفها مما يسهل عليه ضمها لأراضيه. وبعد بضعة أشهر سقطت الخلافة العثمانية وانتهى الحصار الإنجليزي ولم تضعف الكويت. قام سالم الصباح، في 1919، ولخوفه من توسع ابن سعود على حساب الكويت، بمحاولة بناء مدينة صغيرة على حدود الكويت الجنوبية في "خور بلبول". وحتى يتجنب الدخول في صراع مع ابن سعود، الذي يدعي بملكيته لذلك الخور، عدل عن ذلك. ولكن ابن سعود قام، في 1920، بتوجيه إخوان من أطاع الله (الإخوان) ببناء قرية لهم في منطقة كويتية وهي "آبار قرية". اعترض ابن الصباح، وكأن ابن سعود ينتظر هذا الإعتراض، فقام بإرسال جيشه من "الإخوان" الذين قاموا بحصار الجيش الكويتي في القصر الأحمر. وانتهى الحصار بالصلح بين الطرفين. وفي 1922 تم توقيع اتفاقية العقير، وبموجبها استولى ابن سعود وملك العراق على أكثر من نصف مساحة الكويت الحالية. وكان هذا يعد ظلماً للكويت، حيث لم يمثلها في اتفاقية العقير أي مسؤول كويتي، بل الذي كان يمثلها الصديق المخلص لابن سعود السير بيرسي كوكس. ولم يكتف ابن سعود بما حصل عليه من أراضي الكويت فقام، في 1923، ولغرض الحصول على مزيد من أراضي الكويت، بفرض حصار اقتصادي عليها استمر حتى 1937، مع استمرار الغارات على الكويت بين فترة وأخرى. ولكن مخطط ابن سعود فشل في تركيع الكويت، وذلك لصمود أهلها الشجعان. وفي فجر 2/8/1990 قام العراق، بمباركة أمريكية، بغزو الكويت. وكانت المفاجأة أن السعودية لم تتحرك لصد هذا الغزو، ولم تأمر قوات درع الجزيرة الخليجي، المتمركز قريباً من الحدود الكويتية، بالتحرك. وبعد ثلاثة أيام من الغزو، وعند وصول القوات العراقية للحدود السعودية، تحركت السعودية، ولكن تحركها لم يكن فزعة للكويت، بل كان السبب، كما جاء على لسان الملك فهد، "أن الخطوة القادمة للقوات العراقية هو غزو السعودية ولا بد من الدفاع عن السعودية". إن الكثيرين من الجهلة، وبخاصة من السعوديين، يعتقدون أن تحركات السعودية هي من حررت الكويت. وهذا إعتقاد خاطئ، بتصريح من الملك فهد نفسه، حيث قال "بأنه تلقى اتصالاً من الرئيس الأمريكي طالباً منه السماح بإنزال القوات الأمريكية والبريطانية في السعودية لشن هجوماً على العراق بهدف تحرير الكويت"، ويضيف الملك فهد قائلاً "لقد صدمني طلب الرئيس الأمريكي، وجلست مدة غير يسيرة على الهاتف لم أستطع الكلام فيها، وكان الرئيس الأمريكي على الخط يحثني على إعطائه الموافقة". ولهذا لم يكن قرار تحرير الكويت سعودياً بل أمريكياً بريطانياً، ولم يكن يستطيع الملك فهد رفض الطلب الأمريكي بإنزال القوات الأمريكية البريطانية على الأراضي السعودية، لأن تلك الأراضي أصبحت أيضاً مهددة من قبل العراق. القضية الأخرى أن السعوديين يمنون بأنهم قاموا بحماية ورعاية حكام الكويت وشعبها إبان فترة الغزو العراقي للكويت، وهذا أيضاً خطأ تاريخي جسيم. فأهل الكويت حموا وقدموا كل غالٍ ونفيس لحماية حكام السعودية على مدى أكثر من 9 سنوات وليس 7 أشهر التي تمثل فترة الغزو. ولا ننسى أن أهل الكويت ساهموا مساهمة كبيرة في إنشاء وتأسيس الدولة السعودية الثالثة. والعجيب أن الكويت خرجت من أزمة الغزو العراقي محرراً، ولكن تم غزو جزء من أراضيها من الدولة التي تدعي أنها قامت بتحريرها، ألا وهي السعودية (انظر خرائط الكويت قبل وبعد الغزو العراقي).  وفي الختام، نقول إن الكويت قد عانت الكثير وبالأخص من ابن الرشيد الذي يعتبر الكويت هي سبب قيام ابن سعود بإنشاء مملكته. وعانت الكويت مرة أخرى من سلب أراضيها من العراق ومن ابن سعود نفسه. وعانت مرة ثالثة من الحصار الاقتصادي المقيت الذي فرضه ابن سعود عليها. وعانت مرة رابعة من المغتصب الذي أتاها بمسمى تحرير الكويت. فعلاً إنه لمن المؤسف أن الكويت، التي أحسنت ودعمت ابن سعود في بداية انطلاقه ليؤسس المملكة العربية السعودية، تُقابل بمثل هذا النوع من الغدر والخيانة. والله من وراء القصد ،،