19 سبتمبر 2025

تسجيل

الفن أم السياسة الفنية؟

11 يناير 2021

أذكر أنني كتبت مقالاً في بداية الأزمة بعنوان"الفن وعد بالحقيقة" بعدما تم إقحام الفن والفنانين في خضم الأزمة. علينا أن نفرق بين الفن والسياسة الفنية؛ الفن حالة أو كينونة خاصة، بينما السياسة الفنية أيديولوجيا موسيقية. الفن والثقافة هما الوسط الإنساني الضروري الذي يجب أن يُترك دونما تدخل من الجانب السياسي ليبقى الباب مفتوحا للعودة إلى الحالة الطبيعية بعد اختفاء الظَرف. كم من الشعوب خرجت من أزماتها عن طريق وجود الثقافة كحالة مستقلة داخل المجتمع مع أنها انعكاس لواقعه الاجتماعي، كم من الشعوب وجدت حلولا لأزماتها مع الآخر عن طريق الواقع الثقافي والفني الحر والمستقل الذي كانت تعيشه تلك الشعوب. عندما يجد السياسي مأزقا يلجأ إلى المثقف ليأخذ منه وليستمع إلى رأيه، لذلك بقاء الثقافة والفن بمعزل عن الأزمات السياسية ضمانٌ للمجتمع واستمراره. آلمني تجييش الفنانين وتسييسهم ليس لأن في ذلك إلحاقا لضرر مادي في قطر خلال الأزمة التي انتهت، بقدر ما هو مصادرة لمشاعر المجتمع وتسليع للإبداع فيه، بقدر ما أنا خائف اليوم بعد المصالحة بالزج بالفن كذلك بشكل اختزالي يفقده دوره الحقيقي في المجتمع كوسيط آمن يحفظ المشاعر من الابتذال والتقلب بين لحظة وضحاها تبعاً لمتطلبات السياسة. وقف سارتر ضد استعمار فرنسا بلده للجزائر، ووقفت جين فوندا ضد بلدها في حرب فيتنام، الفن مؤثر جدا عندما يكون مستقلا وحرا، الإنجاز الكبير للمجتمعات الغربية أنها أوجدت مساحة بين النظام السياسي وحركة المجتمع الثقافية والفنية، إيمانا منها بأن ذلك في صالح المجتمع وفي صالح النظام أيضا لتعديل مساراته وإيجاد الحلول. لماذا الفن هام جداً في الأزمات لأنه يقول ما كان يُخفيه المجتمع في الأيام الرتيبة. اليوم من الصعب أن ترى الفرق بين القبح والجمال إذا تمت مصادرة الذوق العام عن طريق تسليع الفن والفنانين. يقتل الفن كـ«وعد بالحقيقة»، بهذا التسليع وتختفي روح المجتمع لنختلف، لكن نترك الفن للمجتمع يفتح فجوات داخل هذا الخلاف ويرمم أوصالاً في بنية هذا الخصام ولنعود ونتفق ونتصالح أيضا بعيداً عن المساس بالفن، حيث من المفترض أن يصبح الفن والثقافة منطقة محايدة لأنها ملك الشعوب والأجيال القادمة، وليست أداة ظرفية لوقت دون غيره أو لزعيم دون سواه. [email protected]