29 أكتوبر 2025
تسجيلفي هذا الوقت الذي يمر فيه تاريخ أمتنا العربية بمرحلة حاسمة، وتجابهنا فيه تحديات كبيرة وكثيرة أهمها التحدي المستقبلي الضخم الذي تواجهه البلدان العربية، يتحتم علينا كعرب التوصل لصور وأنماط تعليمية جديدة تؤدي إلى تطوير نظام تعليمي بالٍ نتبناه حاليا، بحيث يمكن – بتطويره جذريا - أن ينتج تعليماً أكثر كفاءة، وأرقى نوعية، وبتكلفة مادية ملائمة، وهذا مجال رحب لاجتهاد المجتهدين، فهل نستطيع أن نتحمل مسؤوليتنا كأمة عربية نستحق هذه اللحظة التاريخية من إحساس بالمسؤولية، وبذل الجهد حتى لا نظل مهمشين أو مغيبين في عالم لا مكان فيه لمن لا يعلمون؟ والأمر المخزي بحق هو أن هناك 60 مليون أمي- على الأقل - في الوطن العربي، وهناك تقارير تشير إلى أن العدد وصل إلى 100 مليون أمي، بالإضافة لعدد يتراوح من 8 : 10 ملايين طفل في الشريحة العمرية من 8 : 12 سنة خارج المنظومة التربوية، هم من الوافدين الجدد للأميين. إن أزمة التعليم العربي يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور أساسية: المحور الأول: هو المشكلات التي تهدد كيانه من سياسات وتنظيمات وهياكل وإدارة وتمويل ومناهج ...إلخ، والسؤال كيف يمكن التغلب على هذه المشكلات بأسلوب علمي وواقعي؟المحور الثاني: هو هوية تعليمنا العربي في ظل تعدد أنماط وأنواع التعليم من تعليم نظامي ولا نظامي، وتعليم مفتوح وعن بعد وذاتي ومستمر ومدى الحياة، وفي ضوء التغيرات الطارئة السريعة سواء على المستوى الإقليمي أو العربي أو العالمي.المحور الثالث: هو تساؤل خاص بإمكانية وضع إستراتيجية جديدة لتطوير تعليم موحد - أو على الأقل متقارب - في كل الوطن العربي، وتقديم رؤية استشرافية مستقبلية تضع في اعتبارها كل ما تموج به الساحة الآن من مشكلات وأزمات وتغيرات طارئة.في سياق ما سبق أود أن أشير إلى قضيتين أساسيتين في قضايا التعليم:أولهما: أن نظام التعليم ومؤسساته هي ساحة من الساحات التي تموج بها المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما تضطرب به من صراع وتنافس وتباين في الفكر والرؤى. فالتربية عملية سياسية والسياسة عملية تربوية.ثانيهما: أن التاريخ لا يعيد نفسه وإن كانت آثاره لا تموت إلا بصعوبة، ودراسة تطور التعليم تشهد عمليات تغير وتحول مستمر في أوضاعه وتشابكاته.وفي هذا الصدد، فإن مستقبل التعليم في الوطن العربي يجب أن يتجاوز المفاهيم الخطية إلى نظريات التعقد واللاخطية والمنظومية والدينامية، وعلينا أن نعلن في هذا الملتقى تقادم المفاهيم التي حرصنا عليها، وعلينا التحرك فيما وراء الماضي لتجاوزه.ولاشك في أن حكامنا جميعا يدركون بوضوح أن التعليم هو قاطرة تقدم الأمم، والتعلم الحقيقي ليس قراءة الكلمة أو كتابتها فقط ، بل قراءة العالم من حولنا من خلال:- تعلم ممارسة الحرية وتعلم المهارات الأساسية للمستقبل وكذلك سلوكيات المستقبل.- تعلم فهم وممارسة الأمانة والاستقامة.- فهم واحترام الآخرين وأخلاقيات العمل، وتقدير المربين واحترامهم.- اكتساب المعايير والقيم الدينية السمحة - مع احترام عقائد الآخرين، وتلك التي تمليها المواطنة.- تربية الجسد والإحساس والعاطفة.- الاهتمام بتكوين المواقف والاتجاهات الملائمة للعمل في المجتمع، والتي يستلزمها بشكل خاص عصر العلم والتقانة.- تعلم القراءة والكتابة والحديث بلغة عربية سليمة.- معرفة الحساب وامتلاك معلومات أولية عن الأشكال والحجوم.- إدراك المكان والزمان وفهمهما، عن طريق التاريخ والجغرافيا وعلوم الطبيعة وعلوم الحياة. وبذلك يكون التعليم قد واكب تكنولوجيا الغد، وكما قال توفلر في كتابه "صدمة المستقبل" أن تكنولوجيا الغد تحتاج لرجال يستطيعون إصدار الأحكام الحاسمة، ويتميزون بسرعة رصد العلاقات في واقع يتغير بسرعة، وهم رجال من النوع الذي يوصف بأنهم يمتلكون ناصية المستقيل بالغريزة.