16 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ إطلالة الجزيرة الإعلامية في سماء العروبة عام 1996 ودخولها معظم بيوت العرب وهي تستقطب مشاهدين يوما بعد يوم، لأنها جاءت بجديد في الإعلام العربي، فلم يبدأ إرسالها بنشرة أخبار استقبل صاحب الجلالة والسمو والفخامة وودع، تناولت أوضاع الأمة العربية على المكشوف، فكشفت المستور، وأظهرت حقائق لم تعرفها معظم الأجيال المعاصرة عن واقع الحاكم العربي، أعترف بأن الحرية التي أعطيت لفرسان الجزيرة ذكرانا وإناثا لم تعط لأحد من قبل في أي وسيلة إعلامية، واعترف بأن تلك الحرية قد مورست بكل أبعادها دون كابح، الأمر الذي أحدث زلازل في الكثير من قصور الحكام العرب الأغنياء منهم والفقراء وأحدثت ردات فعل غاضبة من الكثير من الحكام العرب لا لأن الجزيرة أوردت برامج وهمية وغير حقيقية عن هذا البلد أو ذاك ولكن لأنها أتت بالحقيقة مكشوفة لا يستطع قصر حاكم إنكارها. في الجانب السلبي للجزيرة وهي تمارس حريتها الإعلامية دون رقيب تناولت قضايا لم تكن موفقة في بثها لأنها تنكأ جراح بعض المواطنين العرب، وبعض البرامج كانت لتصفية حسابات تاريخية لم تأخذ آراء أطراف تلك الأحداث في الاعتبار كبرنامج شاهد على العصر أو برنامج بلا حدود وغير ذلك، لكن فوق هذا كله كشفت المستور ولم يعد هناك سرا لا يمكن تناوله إعلاميا. وإلى جانب إيجابيات وسلبيات برامجها فإنها كانت وسيلة تعارف بين مثقفي الأمة العربية وعلى وجه الخصوص عرفت العالم العربي بمثقفي ومؤرخي وكتاب وأدباء الخليج العربي الذين لم يكن يعرفهم أحدا إلا ما ندر وكان ينظر إلى مواطني هذه المنطقة من جغرافية العرب بأنهم مجموعة من البشر همهم الاستهلاك والبذخ ولا يحملون هما لامتهم العربية. لقد قدمتنا الجزيرة إلى العرب والعالم بأننا شعب مهمومين بهموم أمتنا العربية وفي أولوياتها القضية الفلسطينية وقضايا التنمية ومحاربة الأمية والتخلف والتبعية. (2) كان الكثيرون من المثقفين العرب يتمنون وسيلة إعلام مشاهدة ناطقة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية تحمل أفكارهم وآراءهم إلى العالم الآخر غير الناطق بالغة العربية. لم تبذل الحكومات العربية أي جهد في هذا الشأن إلا ما يتعلق بنشرة الأخبار المنقولة عن وكالات أنباء عالمية بمعنى آخر كنا نترجم الخبر من لغة أجنبية إلى العربية ثم نعيد ترجمته إلى لغة الأصل وتبثها وسائل إعلام الأنظمة السياسية العربية مرة أخرى. جاءت الجزيرة وأسست محطة كاملة ناطقة باللغة الإنجليزية واستقطبت أشهر المذيعين والمراسلين من الناطقين بها وهكذا أصبحت الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية تنافس المحطات العالمية المشهود لها بالانتشار وأكاد أجزم أنها تخطتها في مهنيتها وأداءها والحصول على الخبر من مصادره في معظم الأحيان دون وسيط وقد شهد بذلك كثير من الساسة في الغرب ولا أنسى استجواب وزير الدفاع الأمريكي السابق رامس فيلد في عهد الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن من قبل الكونجرس الأمريكي عن حرب العراق عندما ضيقوا عليه الخناق قال وهو في حالة غضب: "هذه المعلومات التي لديكم صادرة عن الجزيرة الفضائية التي تبث إرسالها من قطر، وقال لماذا لا تتلقون معلوماتكم من جهات الاختصاص في الإدارة الأمريكية "، وأذكّر بما روته وزيرة الخارجية الأمريكية عن دور الجزيرة في الإعلام. (3) اليوم " الجزيرة" تقفز قفزة كبيرة جدا في الفضاء الإعلامي إذ إنها تمكنت بعد مفاوضات طويلة وشاقة في امتلاك قناة " كرنت تي في " الأمريكية ويصبح اسمها " الجزيرة " لتدخل بيوت ما يزيد على أربعين مليون أمريكي ليشاهدوا برامجها وتحلق بهم بعيد عن أي نفوذ صهيوني تعرض حال العالم الثالث بكل أبعاده، تعرض على المشاهد الأمريكي جبروت الدول الكبرى تجاه شعوب العالم الثالث تعرض على المشاهدين حضارات وتاريخ الشعوب في آسيا وإفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية أنها ستكون رسولنا نحن أهل قطر أولا والعالم العربي ثانيا إلى جميع الناطقين باللغة الإنجليزية. ولكي تكون الرسول الأمين إلى ذلك العالم فلا بد أن يحسن اختيار مراسليها والصحفيين العاملين بها ليعبروا عن واقع أمتنا والظلم الواقع علينا من الدول الغربية عامة في الماضي والحاضر. نحن العرب والمسلمين نتعرض لحملة شرسة ظالمة من تلك الدول فلا بد من وضع خطة نبين فيها لتلك الأمم ما قدمنا للحضارة الإنسانية، وما نتعرض له من ظلم وجور وبهتان عبر آلة إعلامية أوروبية محابية لإسرائيل كل همها تشويه سمعتنا وتحقيرنا في المجتمع الدولي. المتابع للجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية التي تبث من الدوحة يجد أن بعض مراسليها ليس لهم علم برسالة الجزيرة الإعلامية، ويمارسون أعمالهم وكأنهم يعملون في محطة أجنبية لا علاقة لها بالعرب، أضرب مثلا: أحد مراسلي الجزيرة من فلسطين المحتلة نقل خبرا مؤداه أن جماعة إرهابية في غزة أطلقت النار على مواطنين مدنيين في جنوب إسرائيل (...)!! وهذه اللغة في صياغة الخبر تتعارض مع رسالة الجزيرة الإعلامية. ومن هنا أنبه إلى أن حسن اختيار العاملين في" الجزيرة من أمريكا " هو الرسالة المهمة وليس بالضرورة إملاء ما نريد عليهم ولكن التحري والتدقيق في ميول واتجاهات وخلفيات الذين سيعملون في محطتنا الجزيرة من أمريكا وما أكثر المتعاطفين معنا في كل قضايانا فيجب البحث عنهم في أمريكا وبريطانيا لكي يؤدوا رسالة الجزيرة في الشأن العربي خير أداء. آخر القول: تقاعست الحكومات العربية عن تأسيس جهاز إعلامي يتصدى لكل وسائل الإعلام التي تعمل على تشويه سمعة العرب ونجحت دولة قطر في ذلك وسيتوج نجاحها في قدرتها على اختيار فريق العمل بتك المحطة والله يحفظ قطر من كل مكروه.