13 سبتمبر 2025

تسجيل

مشاريع قِيَمِيَة نافعة تنتظر الإنجاز

11 يناير 2012

للقيَمِ فوائد جمّة، فهي التي تشكّل شخصيةَ الإنسان المتّزنة، وتقوّي إرادته، وتهذًّب سلوكه، اعتبارا من سنيّ عمره الأولى، وبدون الالتزام بمرجعية قيَمِية فقد نكون أمام شخص متذَبذب الأخلاق، مشتَّت النفس، صاحب هوى في سلوكه. والقيمُ سياج للمجتمع تحفظ أمنه، وتقيه من الشرور، لأن تأثيرَها أعظم من تأثيرِ القوانين والعقوبات لذا لا غرابة أن لا تملّ ألسن التربويين والمصلحين والدعاة والإعلاميين والمفكرين من الحديث عن أهمية غرس القيم وتعزيز السلوكيات الحسنة لدى الناشئة والشباب، والحديث عن الوسائل والأساليب المعينة على ذلك، وضرورة تعاون وتكاتف جميع فعاليات المجتمع لإنجاح مثل هذه الأعمال الجليلة سواء أكانت مبادرات أو حملات أو برامج أو مشاريع أو منتجات تصب في صالح هذه الجهود الطيبة. وفي مقال الأسبوع الماضي ركزت على جزئيتين تحديدا تصبان في خدمة هذا الهدف النبيل ألا وهما: إنتاج وإصدار الأعمال الإبداعية الأدبية والفنية من قصص وروايات..، وغرس قيم العمل الخيري والتطوعي والإنساني ونشر ثقافته في أوساط الأطفال والناشئة. وقد تمّ التركيز على القصص لأنها أهم الأساليب التربوية في غرس القيم، لما لها من تأثير نفسي وبخاصة إذا مــا وضعت في إطار شائق يشد الانتباه ويؤثر في العواطف والوجـدان، فيتفاعل معها الطفل والناشئ ويتقمص بعض شخصياتها، وبهذا يستشـعر انفعالاتها ويرتبط نفسياً بالمواقف التي تواجهها، وهذا مـا يثير فيه النوازع الخيرة وينعكس في سلوكه وتصرفاته، ولأنها أيضا يمكن أن تنتج منها أعمال أخرى كالدراما الإذاعية والتلفزيونية والأفلام المتحركة وغيرها. وقد أبرز القرآن الكريم أهمية القصص الإيجابية وتأثيرها النفسي والأخلاقي في تربية النفوس في موضوعات كثيرة، واحتلت نصيبا مهما فيه، كما اهتمت السنة النبوية المطهرة بذلك باعتبار القصة وسيلة فعالة في التوجيه وأخذ العظة والعبرة، من خلال جملة من الأحاديث النبوية التي رويت عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما التركيز على غرس منظومة القيم التطوعية فلأهميتها في الكشف عن الطاقات والإمكانات والملكات الكامنة لدى الشباب واستثمارها في توثيق الترابط الاجتماعي والإسهام في مجهودات تنمية المجتمعات، وتعزيز التفكير الإيجابي لدى الشباب الذي يتوافر له وقت فراع أكثر من غيره، فضلا عن فوائد إيمانية وحياتية أخرى. ولأنني قلت إن الإنتاج القصصي وما يستتبعه من أعمال فنية كثيرة يحتاج لمشروع ويحتاج هذا المشروع لجملة تحضيرات ومنها: البحث عن القصص المتوافرة في القرآن والأحاديث، وسير الصالحين والخيرين في تراثنا العربي الإسلامي، والتراث الإنساني الغابر والمعاصر، ومن ثم تقديمها للناشئة بلغة معاصرة وبأسلوب جذاب فإنني بحكم الاهتمام والمتابعة والمساهمة في الكتابة للأطفال أقدم في هذه العجالة نماذج مختارة في هذا المجال للتأمل وإثارة اهتمام المعنيين إلى مواصلة المسيرة في هذا الجانب، وتبني مثل هذه المشاريع: ـ قصة صاحب الحديقة/ اسق حديقة فلان ـ وتركّز على قيمة الصدقة (التصدق بثلث قيمة محصوله على الفقراء والمحتاجين) وأثرها على المتصدق. ـ قصة الرجل الذي سقى كلبا فدخل الجنة ـ وتركز على باب من أبواب الخير ألا وهو سقيا الماء وقيمة الرفق بالحيوان، وأهمية عدم احتقار أي عمل من أعمال المعروف مهما صغر في عين صاحبه أو عيون الناس ـ كما أرشدنا الهدي النبوي إلى ذلك ـ لأنه يقود صاحبه إلى الجنة. ـ قصة الأعمى والأقرع والأبرص / الأعمى الشاكرـ تركز على قيمة شكر النعم من خلال أداء الواجب المفترض على أصحابها شرعا من زكوات وصدقات، وأثرها الإيجابي في الدنيا والآخرة، دواما في الرزق وكسبا لرضا الله سبحانه، وبالوقت نفسه التعريج على الشح والبخل وعدم شكر النعمة باعتبارها من أبواب سخط الله وزوال النعم. ـ قصة مسجد " صانكي يدم " بمعنى " كأني أكلت" ووراء الاسم قصة حقيقية مؤثرة لمسجد غريب الاسم تعزز قيمة تدريب النفس على القليل الدائم لأن: "أحب الأعمال إلى الله: أدومها وإن قلّ" ـ كما في الحديث الشريف ـ، وأن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع. صاحب القصة رجل فقير ورع اسمه " خير الدين أفندي" والذي كان كلما مرّ بالسوق وتاقت نفسه إلى طعام شهي أو حلوى لذيذة كان يقول لنفسه: "صانكي يدم" أو " افترض أني أكلت "، ثم يقوم بوضع قيمة هذا الطعام في صندوق مخصص لذلك. ومضت الأشهر والسنوات وهو يكفّ نفسه عن لذائذ الأكل... ويكتفي بما يقيم أوده فقط، وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا، حتى استطاع بهذا المبلغ القيام ببناء مسجد صغير في حيه " حي الفاتح" باستنبول، ولما كان أهل الحي يعرفون مقولة " خير الدين" فقد أطلقوها على المسجد الذي بناه تقديرا لصنيعه. ـ "عين زبيدة" وهي قصة أكبر مشروع مائي في عصره قامت به سيدة فاضلة سخية اليد وهي: "زبيدة بنت جعفر المنصور" وزوجة الخليفة " هارون الرشيد" وأهمية القصة أنها تكشف الأثر التنموي للمشاريع الخيرية، وأهمية الصدقة الجارية، وقد أقيم المشروع الكبير عندما حجّت زبيدة إلى بيت الله الحرام، وشعرت - وهي في موكبها المهيب- بما يلاقيه أهل مكة والحجّاج من المشاق في الحصول على ماء الشرب؛ فأمرت خازن مالها أن يحضر المهندسين والعمال من أنحاء البلاد لحل هذه المشكلة وتوفير الماء. فلما أخبرت بأن هذا المشروع تعترضه صعوبات كثيرة، وأنه قد يكلفها أموالا طائلة، قالت لمهندسها: "اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس دينارا". نأمل أن يقيض الله لمثل هذه المشاريع من يتكفل بها ويعمل لإبرازها حتى ترى النور وتنتفع بها الأجيال، والله من وراء القصد.