18 سبتمبر 2025
تسجيلالتأمت جلستنا الأسبوعية على مقهى (السعادة) المجاور لعجلاتي " الثورة " غربي محطة سكة الحديد، كان الأستاذ أبو الدهب في حالة نوم بائسة، فهو ينام ويصحو تسع مرات في الدقيقة. وحسب درجة ارتفاع وانخفاض مستوى الحوار وكان الدكتور شريف متألقاً كعادته في تحليل الموقف السياسي من منظور بورصوي بحت، فهو منذ قرر استثمار ثلاثة آلاف الجنيهات التي تمثل شقاء عمره في البورصة أصبح الخبير الاقتصادي المتخصص في جلستنا الأسبوعية.في هذا الأسبوع كان الأخ موهوب في أعلى درجات التجلي منذ عثر على صنف جديد من الحشيش أطلقوا عليه (عباسية 2) وكان موهوب حين يشد نفساً من الشيشة يتبعه بتضمضة خشوع صامتة طويلة، وما أن ينفث ما بصدره حتى تنفجر كلماته بسرعة الإعلانات الدستورية.بدأت جلستنا بكلمات رومانسية من الأخ بطيخ حول التغيرات الجسمية التي نجمت عن ثورة يناير المجيدة فأثنى فضيلته على أمور جوهرية كان الثوار يطالبون بها واستشهد من أجل تحقيقها ألف شهيد وتحول نحو أربعة آلاف شاب إلى معوقين.ما أهم هذه الإنجازات يا أفندي أنت يا متفائل؟تساءل موهوب إثر نفس عميققال بطيخ وهو يزغر لصاحبه زغرة شاذلية لا تمت للكرامة الإنسانية بصلة: - تغيير أرقام المحمول.. يا فالح وزيادة الأصفار.. هل كنت تحلم بها لولا هذه الثورة المجيدة؟- إلغاء التوقيت الشتوي.. هل خطر حلم تغييره ببال أحد من أهلك قبل ثورة يناير المجيدة؟- إنتاج مفكرين كبار من العينات التوفيقية العكاشية.. هل مر بخبالك قبل يناير 2011 أن يكون لدى مصر مفكرون بهذه الكفاءة؟- توسيع مفهوم (البلطجية) ليشمل أساتذة الجامعات وخريجي الطب والهندسة والحاسب الآلي.. بعد أن كان النظام البائد يجعله حكراً على الفواعلية وأرباب السوابق؟استسلم أبو الدهب – مع تدفق ذكر الإنجازات – لسبات عميق ترتب عليه ما لم تحمده أنوف رواد المقهى بأجنابه الأربعة، واختلطت الآثار الجانبية لنومه العميق في أنف الأستاذ موهوب بنوعية الحشيش الجديد فراح يسب ويلعن، ويتنطط كفأر يرى سبع قطط تحاصره. وانتفض صارخا في عنترية نعرفها فيه: - هذا تهريج، وانفلات فكري، وصياعة أيديولوجية، ثورتنا أكبر من التوقيت الشتوي وأرقام المحمول وكشف العذرية.. ثورتنا ثورة أحرار.. ثورتنا - ثورة أحراراكتشف موهوب أن الجملة الأخيرة (ثورتنا.. ثورة أحرار) قابلة للتلحين، فلف وسطه بملفحة كانت على كتفيه وانطلق يطوف أرجاء المقهى وهو يهتف (ثورتنا ثورة أحرار) ووراءه انطلق الجرسون وبعض الصبية حتى سخن الموقف فانضم إليهم بعض رواد المقهى. وغادروا المقهى بعد أن تزايد العدد من الجيران. وعلمنا – فيما بعد – أنها تحولت لربع مليونية من أمثال موهوب أفندي المتسلطنين أمام مبنى المحافظة وانحصرت مطالبها في ضرورة إعادة التوقيت الشتوي، وتوفير أنابيب الصرف الصحي (وكان قصدهم أنابيب البوتاجاز!!) وطرد السفير السنغالي من القاهرة احتجاجا على نتائج مباراة المصري والزمالك.أما على المقهى فقد استيقظ أبو الدهب من غفوته ثائرا ومزمجرا دون سبب، فلما استفسرنا عن غضبه علمنا أنه كان – في غفوته - يحلم بثورة تحقق للشعب حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية. فتوجه (في الحلم أيضا) لأحد مفسري الأحلام الكبار، فلما أخبره بحلمه بثورة تحقق للشعب حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية سمع منه أصواتا سكندرية تخدش ميثاق جامعة الدول العربية الذي هو أرق من الشعرة وأحد من السيف!!