14 سبتمبر 2025
تسجيلذكرنا في مقال الأسبوع الماضي الحب الشديد لآل سعود للقتل والسلب، وذكرنا أنهم تمادوا على تعاليم ربهم بقتل النفس البريئة، وبمنع حجيج بيت الله من الوصول إلى مكة، ويمكننا القول إن قرار آل سعود بمنع المسلمين من أداء فريضة الحج قد قضى على سمعتهم، لذا حين تحركت القوات المصرية للقضاء على آل سعود حصلت على مباركة من الرأي العام الإسلامي، وموافقة من قبل أهالي الحجاز وقبائله المتضررة من قرار المنع، وكانت نهايتهم بأن أعدم عبدالله في الأستانة، أما بقية آل سعود فقد تشتتوا ما بين هارب ومسجون. وفي شهر مايو 1818 غادر إبراهيم باشا قائد القوات المصرية التي قضت على الدرعية وعلى إمارة نجد، وبمجرد خروجه قام محمد بن مشاري آل عمر بإعادة إعمار الدرعية، ولكن مشاري بن سعود عاد إلى الدرعية، بعد هروبه من الحامية في ينبع، وانتزعها انتزاعاً منه، وبويع له بالإمامة. أبلغ آل معمر (الذي هو ابن اخت عبد العزيز بن محمد بن سعود) السلطان العثماني بزيادة قوة مشاري وقيامه بنهب القرى المحيطة بالدرعية، فأمره بتحريك جيشه للدرعية والقبض على مشاري، وتم له ذلك وتم تسليم مشاري للعثمانيين، ولم يستطع آل معمر القبض على تركي بن عبدالله الذي هرب من الرياض قبل وصول القوات إليها، قام تركي بمباغتة قوات آل معمر وقبض عليه مع ابنه وقتلهما في سنة 1820، لكن تركي لم يستطع البقاء في الرياض لعودة القوات المصرية إليها فهرب مرة أخرى، وبعد خروج القوات المصرية عاد تركي وأعلن الحرب على الأتراك، ونيته في إخراجهم من الرياض. ولكن الأتراك حاصروا تركي ولكنهم اضطروا للانسحاب، وبعد ذلك اختار تركي الرياض عاصمة له لأنها أكثر تحصيناً من الدرعية التي هدم إبراهيم باشا أسوارها، وأصبحت نجد كلها تحت حكم تركي الذي يعتبر هو مؤسس الدولة السعودية الثانية (جد حكام آل سعود الحاليين). وفي هذه الفترة هرب عبدالرحمن حفيد ابن عبدالوهاب من مصر وتم تعيينه مفتي الشؤون الدينية، وهرب فيصل بن تركي وأصبح الساعد الأيمن لوالده في الشؤون العسكرية. وأنشأ تركي أول وزارة وسماها "وزارة الحروب السعودية" ونصب نفسه وزيراً لها. وتمكن تركي خلال فترة حكمه من ضم منطقة الاحساء خصوصا بعد معركة السبية التي انتصر فيها ابنه فيصل على حكام الاحساء من بني خالد، وصل مشاري بن عبدالرحمن إلى الرياض، فأكرمه خاله تركي وولاه إمارة "منفوخة"، ولكنه عزله عندما علم أنه يريد اغتياله، وعندما ذهب تركي لمقاتلة إحدى القبائل في شمال الرياض أعلن مشاري تمرده على خاله، ولكنه لم يجد من يعينه على أمره فهرب إلى مكة. وفي الأخير طلب مشاري من أعيان أهل القصيم التوسط له عند تركي فعفا عنه وولاه إمارة منفوخة من جديد. ذهب فيصل بن تركي إلى القطيف لحل بعض المشاكل فاستغل مشاري الفرصة وكمن لتركي وهو خارج من المسجد فطعنه، ولكن مشاري لم يتمتع بالحكم أكثر من 40 يوماً لأن فيصل بن تركي رجع وقتل مشاري وأخذ البيعة له في 1834. حاول فيصل توحيد مملكة أبيه مما أغضب عليه محمد علي باشا الذي أرسل قوة بقيادة إسماعيل بك مع الأمير خالد بن سعود بن عبدالعزيز (قائم مقام). حاول فيصل بن تركي مقاومة الحملة لكنه فشل لكثرة أعداد جيش محمد علي باشا فاستسلم وتم نفيه إلى القاهرة عام 1838م، وتم تنصيب خالد بن سعود، من قبل العثمانيين، حاكماً على نجد، وبعد أربع سنوات انقلب عبدالله بن ثنيان آل سعود على خالد الذي هرب إلى الإحساء. وحاول ابن ثنيان الاتحاد مع شيوخ الساحل العماني (الإمارات)، لكن المقيم البريطاني حذر شيوخ الساحل العماني، وحذر في نفس الوقت ابن ثنيان من التواصل مع شيوخ الساحل العماني بأي شكل. وعندما افرجت الحكومة المصرية عن فيصل توجه لحائل وهناك، مع صديقه عبدالله بن رشيد، كون جيشاً وهاجم الرياض وقبض على ابن ثنيان، وبويع فيصل بن تركي حاكماً على نجد للمرة الثانية. وجلس على حكم الإمارة 23 سنة حسن خلالها علاقاته بالحكومة المصرية والدولة العثمانية، ودانت له القصيم وسدير وعسير وأطراف الحجاز. توفى فيصل عام 1865 فخلفه ابنه عبدالله بن فيصل، طبعاً الوضع لم يعجب أخاه سعود بن فيصل ودار بين قواتهما عدد من المواجهات. وعاد سعود، بمساعدة الإنجليز، إلى الرياض وبويع بالإمامة عام 1871، قام عبدالله بتكفير اخيه سعود لأنه استعان بالبريطانيين، وكانت هذه الحركة هي التي جعلت العثمانيين يهبون لمساعدة عبدالله على أخيه سعود، واستفاد العثمانيون من الفتنة واحتلوا الاحساء كما استطاع ابن رشيد السيطرة على القصيم والعارض وسدير، حاول سعود أخذ الإحساء ولكنه خاف من العثمانيين فانسحب إلى الرياض، توفى سعود في الرياض واستطاع عبد الرحمن بن فيصل هزيمة أبناء سعود الذين فر بعضهم إلى الخرج، وهناك قتلهم سالم السبهان أمير الرياض من قبل ابن رشيد. وبويع عبدالرحمن أميراً على نجد، وبعد شهرين، وبعد صراع دموي على الحكم مع شقيقه محمد، تنازل عبدالرحمن لأخيه عبدالله. ولكن بقية أبناء سعود بن فيصل استطاعوا أخذ الرياض، وسجنوا عمهم عبد الله بن فيصل، هذا الأمر لم يعجب ابن رشيد، فهاجم الرياض وهرب أبناء سعود وجعل سالم السبهان حاكما لها، وأخذ عبدالله وعبدالرحمن معه إلى حائل. وعندما مرض عبدالله سمح له ابن رشيد بالعودة إلى الرياض شريطة ألا يثيروا القلاقل، ولكن عبدالله توفى عند وصوله. وبعد شهور قليلة قام عبد الرحمن بالاستيلاء على الرياض وقام بسجن السبهان، وبويع عبدالرحمن أميراً على الرياض، عندها هاجم ابن رشيد الرياض وبعد مفاوضات ووساطات تم الاتفاق بين ابن رشيد وعبدالرحمن على أن يستمر عبدالرحمن بحكم الرياض تحت راية ابن رشيد، وأن يتم إطلاق سراح السبهان. وبعد فترة قام عبدالرحمن، بالتحالف مع أمير بريدة، بمهاجمة القصيم في إشارة إلى نقض عهده مع ابن رشيد وعليه حرك ابن رشيد جيوشه وقضى على المتحالفين في معركة "المليداء". هرب عبدالرحمن، بعد هذه المعركة، من الرياض وقام بحشد القبائل للعودة إليها، ولكنه هزم من قبل ابن رشيد في معركة "حريملاء"، فهرب عبدالرحمن مع أسرته إلى البادية خوفاً من ابن رشيد. وبهروب عبدالرحمن، في عام 1891، طويت صفحة الدولة السعودية الثانية. وفي الختام نقول إن رب العالمين أشغل آل سعود بأنفسهم من خلال الخيانة والغدر بين الأشقاء والأقارب، فكثرت الحروب والمكائد لبعضهم البعض، ولهذا لم يفكروا بغزو القبائل الأخرى ولم يقتربوا من الحجاز. إن الفتن المحلية التي أعقبت حكم فيصل جعلت الدولة السعودية الثانية تتآكل وتتصدع فكانت النتيجة هي سقوط دولتهم، وتحاول السعودية، بكل ما أوتيت، طمس الكثير من الحقائق لأحداث الدولة السعودية الثانية، وبخاصة عن السعوديين، حتى لا يعرفوا طبيعة آل سعود الغادرة. ومن الكويت، بدأت العدة ببزوغ الدولة السعودية الثالثة، والتي تعتبر هي أخطر الممالك التي مرت على شبه الجزيرة العربية. والله من وراء القصد،، [email protected]