15 سبتمبر 2025
تسجيلفي هذه الزاوية من الأسبوع الماضي كتبت بعدم شرعية النظر في مخالفة إدارية في محفلين مختلفين في مدينة واحدة، وعدم شرعية عقاب المخالف مرتين على خطأ واحد. اليوم نتناول موضوعا آخر لا يقل أهمية عن الموضوع السابق. يقول تقرير المجلس الأعلى للقضاء الذي نشر في (الشرق 24 / 11): إن إدارة الفتوى قدمت 86 فتوى قانونية في عام واحد إلى جهات الاختصاص وهذا جهد من واجبنا أن نشكر تلك الإدارة على إنجازه، لكن يثور سؤال نطرحه عبر وسيلة إعلامية إلى إدارة الفتوى ما مدى دستورية التعاقد مع أناس جاوزت أعمارهم الستين وهم من جنسيات ليست قطرية، علما بأن في الدولة قانونا يحال الموظف إلى التقاعد عند الستين من العمر وللإدارة حق الاستثناء، تؤكد السيرة الذاتية لمعظم هؤلاء المعينين حديثا والذين تتجاوز أعمارهم الستين عاما بأنهم ليسوا من ذوي الخبرات النادرة التي لا يستطيع المواطن القطري أداءها علما بأن المواطن المحال إلى التقاعد لا يقل كفاءة ولا علما عمن عداه. ما رأي إدارة الفتوى في قانون المرور الذي يحمل مالك السيارة كل المخالفات التي وقعت على السيارة علما بأن المالك لا يقود السيارة وأن من يقودها شخص آخر وفوق هذا يحمل بتسجيل نقاط مخالفة ضد المالك تسقط عنه حقه في قيادة السيارة بعد عدد من النقاط ؟ هل أهل الفتوى والتشريع لهم إلمام بأوضاع المجتمع القطري ويعلمون أن مواطنا أو مواطنة قد يسجل أكثر من سيارة باسمه ويقودها سائقون ويمكن أن يرتكبون مخالفات قانونية هل نقاط المخالفة تسجل على المالك حتى ولو لم يكن هو الذي يقود السيارة؟ طبعا المشرع سيعود إلى النصوص القانونية ليعطي فتواه فيما ذكرت، لكن النص القانوني جامد هل المفتي القانوني أخذ في اعتباره حال المجتمع القطري إلى جانب النصوص ورجح كفة المجتمع على كفة النص بمعنى مواطن سجل باسمه خمس سيارات يقودها أفراد متعددون فهل يحمل بنقاط مخالفة تسقط عنه قيادة السيارة عند حد معين من النقاط أم أن كل سائق هو من يتحمل أخطاءه؟ (2) يشتكي الكثير من الناس طول فترة التقاضي لقضايا لا تحتمل التأجيل، وأخرى لا تستدعي التأجيل، فمثلا شركة مقاولات أقامت دعوى على مالك عقار بأنه لم يسدد مستحقات تلك الشركة وأن ما تبقى في ذمة المالك مبلغ وقدر (س) وأن عليه سداده. المدعى عليه أثبت بموجب إيصالات موقعة من المدعي وبموجب مستندات بنكية بأنه سدد كل ما استحق عليه، والسؤال هنا لماذا القاضي لم يبت في هذه المسألة بعد أن استمع لحجج كلا الطرفين وتبين أن المبلغ المدعى به قد سدد وتحسم هذه المسألة في أقصاه ثلاث جلسات. ويستغرب المراقب إحالة مثل هذه المسألة إلى خبير من قبل المحكمة فالأمر لا يحتاج إلى رأي خبير لأن المدعى عليه قدم ما ينفي عنه التهمة بموجب مستندات أصلية صادرة من مكتب المدعي وبموجب توقيعه ومستندات بنكية لا تقبل الطعن، هذه المسألة مابرحت بين يدي القضاء منذ ما يقارب السنتين، فهل هذه المسألة تحتاج إلى هذه الفترة الزمنية الطويلة؟ (3) مسألة أخرى اجتماعية إنسانية تتعلق بقضايا الطلاق بين زوجين، نعلم جميعا الحديث الشريف القائل بأن أبغض الحلال إلى الله الطلاق، وعند النظر إلى سجلات التقاضي نجد أن هذه المسألة تحتل حيزا من مسائل التقاضي العائلي. مثال: سيدة تريد الطلاق من زوجها لأسباب اجتماعية، والقضاء كلف شاهدين لإيجاد صلح بين الزوجين وثبت باليقين بأن الصلح يكاد يكون مستحيلا، وأن الزوجة أبلغت القاضي كتابة عبر الشاهدين بأنها لا تستطيع العيش تحت سقف واحد مع زوج تزوج عليها امرأة أخرى رغم وجود أطفال وأن هذا الزوج محرم عليها بعد اليوم كحرمة أبيها عليها. يصر القاضي على أن التفريق يقتضي الإعلان عن ضرر وقع على الزوجة. فتعلن الزوجة بأن زوجها تزوج عليها امرأة أخرى، وغير قادر ماليا، وأنه انبشها في ديون بنكية غير قادرة على سدادها وفوق هذا طلب منها ما يقارب (100.000) ريال عشية عيد النحر لسداد بعض التزامات عليه وتفاجأت بإعلان زواجه من امرأ ة أخرى فأي ضرر أشد وطأة على سيدة أم لأطفال وهموم مالية من أجل إسعاد زوجها وتكون خاتمة المطاف زيادة مديونية الزوجة الأولى، وتنكر الزوج للوفاء بديون زوجته الأولى. بعض القضاة رحمهم الله عز وجل يتعسفون في استخدام النص القرآني القاضي بحق تعدد الزواج إلا أنه غيب الأسباب الموجبة لتعدده ـــ وليس هذا مكان التعمق في حيثيات ذلك الحق ــ لا يأخذ بعض القضاة رحمهم الله الأوضاع الاجتماعية في الاعتبار لأنهم لا يلمون بعلم الاجتماع، كذلك لا يدركون الآثار النفسية السلبية على الزوجة والأطفال لأنهم لا علم لهم بعلم النفس، ولم يكلف أحدهم أو المؤسسة القضائية بوجه عام مركزا متخصصا بدراسة الآثار السلبية على المجتمع من أثر تعدد الزوجات. إن الواجب الشرعي يقتضي قبل إتمام عقد النكاح الثاني، إلى جانب أمور أخرى، أولا معرفة ما إذا كان الزوج مكتمل الصحة لا تنخره الأمراض وذلك بموجب شهادة طبية واستعراض ملفه الطبي عن طريق خبير طبي خشية من التقارير الشكلية، ثانيا معرفة وضعه المالي بموجب إثبات مادي لا يتخلله الشك، ثالثا معرفة الوضع المالي بين الزوجين وإعلام الزوجة الأولى برغبة زوجها في الزواج من امرأة ثانية، والتيقن من ردة الفعل عندها لأنها في هذه الحالة ستبدي ما كان مستورا بين الزوجين. آخر القول: لا نشكك في نزاهة القضاء في بلادنا ولا في قدرة القضاة لكننا في حاجة ماسة إلى أن يتعرف القاضي على علم النفس الاجتماعي وكذلك علم الاجتماع عن طريق البحث والدراسة ولا يجب أن يكتفي بالنصوص الدينية أو القانونية انطلاقا من قاعدة تقول " الناس أعرف بشؤونهم ".