14 سبتمبر 2025

تسجيل

«الوعد».. وحملات التشويه المتعمدة

10 نوفمبر 2022

بداية دعونا نقرر أن فعاليات مونديال كأس العالم قطر 2022 ماضية في طريقها على كافة المستويات، فقد غادر القطار محطته الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن، وأوشك على الوصول إلى محطته الأخيرة، ففي غضون أيام تنطلق منافسات هذا المونديال في أول نسخة عربية من نوعها، وسنكون –إن شاء الله- أمام نسخة استثنائية بكل المقاييس. أما حملات التشوية المقصودة، والتضليل المتعمد اللذان انطلقا منذ إعلان فوز دولة قطر باستضافة هذه البطولة العالمية المرموقة، وزادت وتيرتهما باقترابنا من انطلاق صافرة البداية لهذا الحدث الكروي فسيكونان –أي حملات التشوية والتضليل- شيئا من الماضي، ولن يبقى منهما غير صفحات سوداء في المسيرة المهنية لمن قام بهما، أو قام عليهما، وإدانات بحق أصحابها لا تسقط بالتقادم. لم تنج دولة من الدول المستضيفة لبطولة كأس العالم على مدار تاريخ هذه البطولة من نقد مرحب به طالما كان موضوعيا، فهذه هي سنة الحياة، ولا يخلو عمل إنساني سواء أكان على المستوى الفردي أم الجماعي من زلة هنا، وقصور هناك، غير أن المسألة أخذت –ولا تزال- أبعادا أخرى وعديدة حين تعلق الأمر بفوز دولة قطر باستضافة بطولة كأس العالم 2022، فهي أطول حملة في التاريخ تتم ضد الدولة المستضيفة، وعلى هذا النحو من الشراسة والتكثيف، وتخرج عن أطر المهنية الإعلامية في كثير من الأحيان، وقواعد التواصل الإنساني الذي يهدف إلى تعميق التفاهم بين الشعوب، وتعزيز العيش المشترك على هذا الكوكب الواحد، ومن ثم فلا ينبغي أن تمر هذه الحملات بسلام، وما أعنيه هنا على وجه التحديد الرصد والتحليل والتقصي العلمي للخطاب الإعلامي والسياسي الذي اختلط فيه، وعلى نحو متعمد، السياسي بالرياضي والحقوقي والاجتماعي والثقافي، وبرزت الديماغوجية الفكرية والسياسية، وبرزت الأجندات الخفية، وتماهى فيه الإعلام بالدعاية والتنميط وغيرها من مجالات الخلط الأخرى التي تتم على نحو غير مسبوق، مما يصعب على غير المتخصصين في الخطاب الإعلامي والسياسي التمييز بين هذا النوع من الممارسة التي عمدت إلى جمع ما يصعب جمعه في سلة واحدة، وصهر ما يصعب صهره في بوتقة واحدة، ولكن تستمر المحاولات الرامية إلى إنجاز ذلك بفعل سلطة الإعلام المستند إلى تاريخ طويل من التنميط، ودول المركز والهامش، وبلدان الشمال والجنوب! ومن ثم فإن المؤسسات البحثة والأكاديمية مدعوة إلى رصد الخطاب الإعلامي والسياسي الخاصين بمونديال قطر 2022، وإذا ما استطاعت هذه المؤسسات الأكاديمية رصد هذا الخطاب، وفضح حملات التشويه الموجهة للنيل من دولة قطر، فسنكون أمام وثيقة علمية تؤرخ وتوثق لمرحلة استثنائية لا لشيء غير أن البطولة تتم ولأول مرة في دولة عربية صغيرة المساحة، ولكنها كبيرة الحضور على الساحة الدولية السياسية والدبلوماسية، واستطاعت أن تضع لنفسها مكانا على خارطة الرياضة العالمية خاصة، فغدت بيت خبرة في هذا المجال، ومستضيفا ناجحا للعديد من البطولة الدولية. وبالعودة إلى الحملات الإعلامية الموجهة ضد دولة قطر، وبخاصة من وسائل الإعلام والاتصال الأجنبية، هذه الوسائل التي كثيرا ما تتحدث عن القيم المهنية، وتزخر أدبياتها بمواثيق الشرف الصحفية، ومبادئ العمل الإعلامي الذي تذهب إلى أنه لا يحتكم لشيء بقدر احتكامه إلى الضمير المهني للصحفي، فهي تعلي من قيمة التحقق والتدقيق في المعلومات قبل نشرها، وتدعو إلى ضرورة التحلي بالحياد، ومراعاة التوازن والعدالة والإنصاف في التغطيات الصحفية، وفصل الرأي عن الخبر، فالأول حر، والثاني ملك للقارئ، وغيرها من المبادئ المهنية التي يعرفها القائمون على الصحافة، ومن ثم فإن السؤال: هل كانت هذه المبادئ حاضرة في كل ما بث –ولا يزال- ونشر حول استضافة قطر لهذه البطولة؟ وما المبررات والدوافع لكل هذه الحملات الإعلامية طوال هذه السنوات؟ وما السر وراء تكثيف الخطاب الإعلامي كلما اقتربنا من انطلاق البطولة؟ وفي هذا الخصوص، اكتفي هنا برصد مادتين صحفيتين نشرتا مؤخرا، فالمجال لا يتسع لسرد الكثير من هذه الممارسات، وما تم –ولا يزال- بحاجة إلى رصد مكثف، ودراسة وتحليل تتجاوز قدرات باحث واحد إلى باحثين كثر، ومؤسسات أكاديمية مختلفة. الأولى: نشرت محطة "بي بي سي" منذ أيام على إحدى منصاتها على شبكات التواصل الاجتماعي فيلما وثائقيا قصيرا ربطت فيه بين واقعة حدثت في مطار حمد الدولي منذ عامين، وقد أخذت القضية مسارها القانوني، وقال القضاء فيها كلمته، وانتهى الأمر. ومن ثم فإن السؤال المطروح أمام مؤسسة عريقة على غرار "بي بي سي"، ويشهد لها بقدر كبير من المهنية، هو: ما علاقة توقيت بث هكذا فيلم قبل انطلاق بطولة كأس العام بأيام؟ ولم الربط –وعلى نحو فج- بين تلك الحادثة وكأس العالم؟ وما العلاقة بين حدثين لا علاقة بينهما لا من قريب أو بعيد؟ فما حدث هو ربط مصطنع، ولي لذراع الحقيقة، وهو ما يدعو إلى القول: إن هناك "أجندة" خفية تقف وراء ما تم، وهذا ليس افتراضا، ولا اتهاما، وإنما "تلبس" بمزاولة غير مهنية مشفوع بالدليل. أما الواقعة الثانية: فهي قيام صحيفة فرنسية بنشر رسم "كاريكاتير" يصور أعضاء المنتخب الوطني القطري لكرة القدم والمشجعين على نحو غير لائق بالمرة، وينطلق من تنميط فج وظالم وبغيض، ويصب في خانة خطاب الكراهية، ويوقع الرسام والقائمين على الصحيفة تحت طائلة المساءلة القانونية، وتسقط هنا ذريعة "حرية الرأي والتعبير" التي غدت بمثابة "شماعة" للنيل من مقدسات الآخرين، وثقافاتهم، وخصوصياتهم. وفي ضوء ما سبق، وغيره الكثير مما يصعب الإحاطة به في مقال واحد، وحتى لا نقع في خانة التعميم ولا الاتهام جزافا، يمكن القول بأن مبادئ المهنية الصحفية قد تكون حاضرة في كثير من وسائل الإعلام الغربية حين يتعلق الأمر بشؤونهم وقضاياهم الداخلية، في حين تحضر "الأجندات"، وتغيب المهنية، وإن بدرجات متفاوتة، حين يتعلق الأمر بـ"الآخر"، اعتمادا على رؤى ذاتية يتم تعميمها على الآخرين، وفرضها عليهم ولو قصرا، ويحكم عليهم من خلالها ولو تعسفا، في تنكر لخصوصيات الآخر وثقافته التي ليس بالضرورة أن نتفق عليها، ولكن يجب أن نحترمها، على الأقل. قسم الإعلام، جامعة قطر