13 سبتمبر 2025

تسجيل

الحملة "المرتدة"!

06 ديسمبر 2022

يوما بعد آخر، تتكشف أبعاد الحملة المسعورة على دولة قطر والمتزامنة مع فوزها بتنظيم بطولة كأس العالم، وتتضح الرؤية على نحو جلي وغير مسبوق. فهذه الحملة المحمومة لا تستهدف دولة قطر فحسب؛ وإنما تتجاوزها إلى نطاق أوسع، وأهداف أبعد من ذلك بكثير. فالنيل من الثقافتين العربية والإسلامية ومحاولة إقصائهما هي الغاية المنشودة من هذه الحملة في نهاية المطاف، وذلك من خلال محاولة فرض نموذج ثقافي واحد، يرى أصحابه بأنه النموذج الأمثل الذي ينبغي تعميمه على سكان كوكب الأرض أينما كانوا، ويجب على الجميع الالتزام به، والامتثال للغة فوقية، وإملاءات تتجاوز الواقع، وتتنكب للتنوع الإنساني، والتعددية الثقافية، وتتجاهل الهويات المختلفة؛ فضلا عن الطبيعة البشرية التي فطر الله الناس عليها، والقائمة على التنوع والتعدد والاختلاف، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة. لكن ما لم يكن في حسبان القائمين على هذه الحملة المنظمة بدقة وعناية أن تخرج أهدافها عن المسار المرسوم لها سلفا، ويتحول جزء منها إلى ما يشبه الهجمة المرتدة على شباك مرمى الخصم، وينطلق تأثيرها نحو الاتجاه المعاكس، فيطال القائمين على تنظيمها. فكما أن للحملات الإعلامية تأثيرا على الآخرين، فيمكن أن يكون لها-أيضا- تأثير عكسي على القائمين على تنظيم هذه الحملات، وهذا ما تؤكده الأحداث الأخيرة المتعاقبة. أما ما يجعل هذه الهجمة المرتدة أقوى أثرا، وأمضى تأثيرا، فهو أنها تنطلق – وبعفوية ومن دون ترتيب مسبق- من الداخل الغربي نفسه، فتصدر عن قادة رأي عالميين، وإعلاميين مشهورين، نموا وترعرعوا في البيئة الغربية، وتشبعوا بثقافتها، ولكن هذه الأصوات استحضرت الطبيعة البشرية، واستشعرت العقل والمنطق، وأقرت بحق الآخرين في هامش ثقافي، وخصوصية اجتماعية تميزهم عن غيرهم، فضلا عن إدانتها الواضحة لازدواجية المعايير الغربية في أحكامها على الآخرين، وإقرارها بمسؤولية بلدان الغرب عن حقبة استعمارية طويلة، وجديرة بالاعتذار عنها على أقل التقديرات. غير أن هذه البلدان تستعلي وتستكبر عن الاعتذار، مخافة العواقب المترتبة على ذلك من تعويضات عن مظالم طالت الشعوب المستعمرة لحقب طويلة، ولا تقوى خزائنها على دفع التعويضات المباشرة وغير المباشرة. كثيرا ما قرأنا وسمعنا عن الهيمنة الغربية والاستعمار الثقافي، ومحاولة فرض نموذج ثقافي وتعميمه على كافة البلدان والشعوب في تنكب واضح للتنوع الثقافي والعقدي والانتماء العرقي وغيرها من الخصوصيات الأخرى التي هي طبيعة الخليقة، وجوهرها الأساس، بما في ذلك الداخل الغربي نفسه، لكن ما شهدناه أثناء الحملة التي استهدفت دولة قطر منذ أن فازت بتنظيم بطولة كأس العالم 2022، ومن ورائها تستهدف –أيضا- ثقافة عربية وإسلامية لبلدان عدة، يمثل –وعلى نحو غير مسبوق- ترجمات فعلية، وسلوكيات واضحة لما كنا نقرأ ونسمع عن تلك الهيمنة والاستعمار الثقافي. الهجمة المرتدة للحملة المنظمة ضد دولة قطر، ومن ورائها الخصوصية الثقافية العربية والإسلامية، جديرة بالبناء عليها، في إطلاق حملة إعلامية واسعة، تتجاوز مجرد المناداة بالحوار بين الأديان والثقافات، للكشف عن الحملات المنظمة والمنتظمة الرامية إلى أقصاء الآخر وثقافاته، وطبع العالم بطابع ثقافي واحد، لم يستطع الغرب نفسه فرضه على أبناء جلدته؛ لأن منها ما هو ضد الطبيعة البشرية والفطرة السليمة، والسلوك السوي. ومما يساعد على إطلاق هكذا حوار وإنجاحه البناء على الأصوات العقلانية التي وجهت الانتقاد للغرب ذاته، وأكدت على ازدواجية معاييره وأحكامه على الآخرين. وطالما أن المقصود في نهاية المطاف هو منظومة الثقافتين العربية والإسلامية، وخصوصية المجتمعات العربية والإسلامية، فنحن بحاجة إلى عمل إعلامي عربي إسلامي عالمي مشترك، يتوجه إلى مخاطبة المواطن الغربي في المقام الأول، وينطلق من استراتيجية واضحة، تعلي من قيمة التنوع الثقافي، وترفض فرض نموذج واحد، وتؤكد على احترام الخصوصيات العقدية والدينية والثقافية، فذلك أولى استحقاقات التعايش السلمي بين بني البشر، وإشاعة السلام العالمي.