19 سبتمبر 2025

تسجيل

الموقف الثقافي المذبوح

10 نوفمبر 2021

إذا افتقر المجتمع من الموقف الثقافي أصبح مرتعاً خصباً للنفاق الاجتماعي والتورية وتوارى الاقتناع كدافع لإبداء الرأي إلى الظل وشاعت "التقيه"، وأبدى الناس غير الذي يضمرون، ومدحوا في النهار من يقذفونه ويسبونه في الليل. ينساق المجتمع الفاقد للمواقف الثقافية كالقطيع ويخف وزنه وتتلاعب به السلطة، لأنها في الأساس لا تتعامل مع النوايا وإنما تحتاج لمن يبصم وإن لم يكن مقتنعاً. أهمية بناء الموقف الثقافي هو أول المراحل لتكوين الرأي العام، مجتمع بلا رأي عام مجتمع يسير في ليل دامس، وسلطة بدون رأي عام تتفاعل معه وتبني من خلاله إستراتيجياتها، سُلطة تسير إلى حيث حتفها المنتظر. نتساءل لماذا الثورة السورية أشد الثورات وأعنفها وأكثرها دموية وأغزرها تضحية؟ السبب أنها قامت في مجتمع قتل فيه الموقف الثقافي حتى الوريد، حتى مصر وتونس وحتى اليمن كذلك كان فيهم بصيص من المواقف الثقافية ومتنفس من تفاعل السلطة معه. قناعات الناس وآراؤهم ووجهات نظرهم في مجتمعاتهم وحياتهم إذا كتمت وصودرت انقسم المجتمع وتعامل مع الخوف بالنفاق الاجتماعي والتنزيه اللامبرر ليتحول ذلك فيما بعد إلى هجاء مرير. ما هي مكونات الموقف الثقافي؟ حدث يتطلب موقفاً واضحاً وتفاعلا فردياً معه لا ينفع هنا التفاعل معه بالعقل الجمعي للمجتمع المبني على خبرة سابقة من الماضي مثلا، يتطلب الأمر رأياً خاصاً موضوعياً فيه بناء على ظروف العصر القائم. لكي يكتمل الموقف الثقافي لابد من الفصل بين الذات والموضوع بين الشخص ورأيه حتى لا يحدث التصادم في المجتمع مادياً بين الأفراد بدلا من حدوثه ثقاقياً كما نرى في المجتمعات غير المتقدمة أن يتم احتواء الأشخاص والتعامل مع أفكارهم لا نبذهم وتهجيرهم وتهديدهم بالقتل، كم من العقول العربية الهاربة بسبب الرأي وصراحتهم في مواقفهم الثقافية. نأتي هنا إلى دور السلطة في تكوين الموقف الثقافي، دائما ما نرى احتجاجات على استقبال مسؤول معين دعته السلطة فثار المجتمع على ذلك يحدث هذا وباستمرار في الدول المتقدمة، ثقافة الموقف الثقافي تنمي الشخصية الاحتجاجية الرافعة للشعار النازلة إلى الشارع معبرة عن رأيها بسلمية تامة وليس بتدمير وإرهاب، زيارة السادات لإسرائيل موقف ثقافي للأنظمة العربية في حينه أكثر منه للشعوب، حيث لم تستفت أو على الأقل الشعب المصري. جميل أن تستجيب السلطة وتتفاعل مع الرأي العام بشكل أن لا يكون ذلك انتقائيا، تطرح ما تشاء وتفعل ما تشاء، أتذكر هنا حينما عبر طلبة الجامعة عن غضبهم لدعوة الكاتبة السعودية بدرية البشر للمحاضرة في الجامعة التي هي المكان الأنسب للتعبير عن الرأي واستماع الرأي الآخر ولكن استجابة الجامعة لهم هي المفاجأة في اعتقادي وجاءت من قبيل قتل الموقف الثقافي لا من أجل إثرائه وتوجيهه والأمل في ديمومته كمؤسسة تربوية. على الرغم من أن التهمة الموجهة للكاتبة من قبيل التهم التي ترمى جزافاً قد يهرع إليها الشارع وليس النخبة من طلبة الجامعة. [email protected]