12 سبتمبر 2025
تسجيلكتبت هذا المقال ليس من أجل إطراء يقال، بل من أجل تسليط الضوء على مشكلة حقيقية، قليل من يتحدث عنها، وكثير من يُنَظِّر فيها ويستسهل لوم الابن أو الابنة إذا أخطأوا، أو يؤيد قسوة الأب أو ردة فعل الأم على ذلك الخطأ، لكل منا في تربية الأبناء إيجابياته وسلبياته، توجد أم تهتم لبناتها وأبنائها وتخاف عليهم وتعزز أخلاقهم وتُصَحّح أخطاءهم، وتحتوي عثراتهم بأدق التفاصيل، ويوجد أب قاسٍ في تعاملهم، شديد في رأيه، عنيد في فعله، ألفاظه عليهم جارحة ونظراته إليهم قاسية، لا يسمع من يخالف رأيه وإن كان يعلم خطأه، برأيه هذا التوبيخ هو الفعل الصحيح، والقسوة في غير محلها تجعل قلب الأبناء جريحا، والحقيقة أن القسوة تولد الجفوة، يتجاهلهم رغم اختلاقه أعذارا بالانشغال، فلا عذر مقبول في التعذر بالانشغال ولن تفلت يوم القيامة من السؤال، وعندما يُخطئ الأبناء يتم لومهم بقسوة، وربما نبذهم من العائلة بكل جفوة، ما هكذا تقاس الأمور، ولا هكذا تعالج وتحل، بل علينا أن نتساءل لماذا نُضَيّق على أبنائنا وبناتنا واسعاً دون أن نحتويهم أو نعطيهم الأمان بأنهم مهما كان خطأهم نُخفف عنهم قلقهم، وهذا الابتلاء قد صار ومضى، فلا يرجع الزمن إلى الوراء، بل ينبغي التأمل بما هو قادم وتخفيف ذلك العناء ونحتويهم ونكون سنداً لهم، وليس أن نستسهل اللوم ونتجاهل أسبابه، لكل فعل ردة فعل، سواء من أحد الوالدين أو أحد الأبناء، عندما تَضِيقُ الأرض بما رَحُبَتْ عن الأبناء نتيجة عوامل حقيقية وتراكمات واقعية من سوء التربية أو كلمة جارحة تخرج من أحد الوالدين سهلة وتؤثر على الأبناء سلباً، أو الاعتماد على العاملات المنزليات نُحمّلهن مسؤولية أخلاق أبنائنا، نحن هكذا نظلم أنفسنا ونستسهل لوم الآخرين، عمّال المنزل السائق أو الخادمة " المربية المنزلية" لن يكونوا أحرص على أبنائكم وبناتكم منكم يا أرباب الأُسَر، بل ربما يريدون معاقبتكم بتصرف أو كلمة جارحة منكم، وينتقمون من أبنائكم الذين أنتم بعيدون عنهم ولا حول لهم ولا قوة، عندما يكبر الأبناء، والأب والأم بعيدان عنهم وكل ما قد يتساءل الابن أو الابنة عن سبب الجفاء، يرد أحد الوالدين مستكبرا، وربما مستغرباً بسؤال آخر، ماذا ينقصك أيها الابن او أيتها الابنة المدللة ؟ المال موجود والسائق موجود والخادمة " العاملات المنزليات " موجودات، وينتظر أحد الوالدين من أحد الأبناء الجواب ؟ يصمت الابن في تأثر وذهول ويخجل من الجواب غير المعقول، ويقول بداخله يا أبي أرغب في عطفك وحنانك وأمانك وكلامك ونصحك لي ومزاحك معي وتقويمي إن أخطأت وتصحيح مساري إذا أغفلت، لأنني بشر أصيب وأُخطئ، مهما كثرت أخطائي ومهما كَبرت في عمري إلا أنك السند الذى أتكئ عليه إن كان الجميع ضدي، وكل ذلك الحديث فقط بنظراته، لأن الوالدين لم يسمحا له بالحديث.. فحق أبنائنا علينا واضح السؤال عليهم والاهتمام بهم، تربيتهم وتعليمهم القرآن الكريم والأخلاق منذ الصغر ودعمهم ونخاف الله فيهم، وتصحيح أخلاقهم وتَحَمّلِهم حين يخطئون واستيعابهم حين يتألمون، ومسامحتهم عندما يعتذرون، نسأل من هم صُحبتهم وكيف هي أخلاقهم، لأن الصاحب ساحب، وينظر للمرء من رفيقه إن كان ذا خُلُق سيؤثر إيجاباً عليهم، وإن كان سيئاً فسيؤثر سلباً، فالأفضل أن نُجَنِّبهم الصحبة السيئة، من كان منهم في مشكلة نكون أول من ينظر في المسألة، نساعدهم في الاحتواء، وإن كان بين الوالدين أو أحد الأبناء جفاء نكون لهم السند، وإن كانت أخطاؤهم أكبر من تأمُّلِنا بهم، وهذا حق الأبناء على الآباء، وذكِرَت فيما مضى قصة أنه جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، فسأله عمر: أحضر ابنك، وأنَّب ابنه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه عليه، فقال الولد متسائلاً: يا أمير المؤمنين أليس للابن حقوق على أبيه ؟ قال: بلى، قال فما هي ؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويُحسن اسمه ويعلّمه القرآن، فقال الابن: يا أمير المؤمنين: إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك.. فقال للأب جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقّك وأسأت إليه قبل أن يسئ إليك.. ما قد يُستنتج من القصة، أن الأبناء لهم حق تعليم القرآن والأخلاق منذ الصغر، كما للوالدين على أبنائهما حق البّر والإحسان لهما وطاعتهما عند الكبر " ويقول الله عز وجل في كتابه العزيز ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾. مخافة الله في أبنائنا وبناتنا أمانة ومسؤولية ومهما ضاقت الأرض بما رحبت عن الأبناء إلا أن والديهم وعائلتهم هم الملاذ والأمان، ورسالتي أيها الآباء: إن أبناءكم نعمة عظيمة فكونوا بقربهم تفوزوا بقلوبهم، وأيها الأبناء " إن الوالدين من أعظم نعم الله عليكم كونوا بارين بهم مهما أخطأوا وأصابوا، فلا حب أصدق من حب الوالدين والعائلة، حفظ الله والدينا وأبناءنا جميعاً، وأعانهم على المسؤولية العظيمة وجعلهم في سعادة دائمة، وتبقى العائلة هي الحب والعطاء الحقيقي والنهر الجاري الذي لا يجفُّ أبداً. @fyicl