29 أكتوبر 2025
تسجيلمن الغريب والعجيب لدى غالبية الأنظمة العربية إنها مصابة بمرض مزمن وهو حالة الإنكار التي تتلبسها ، فهم يحاربون الحقائق بكل ما أوتوا من قوة ، ليس لأن الحقيقة تشكل خطرا ، بل لأنهم هم الذين يشكلون خطرا على مبدأ الحقيقة التي لا تحتاج لأدوات كي تبقى حية ، بل هي كالشمس يعرف الناس إنها أشرقت حتى لو تلبدت كل غيوم السماء تحتها وحجبت أشعتها ، فضياؤها خارق للظلام ، والحقيقة كذلك مادامت مشرقة فهي دليل للبشر كي يعرفوا أخطاءهم ويتعاملوا مع الواقع باحترافية وإنجاز يخلص الحكومات والشعوب من كل هذا البؤس الذي يعيشونه، ولا أدل من ذلك إلا الورطة الكبرى التي تعاني منها الدولة المصرية اليوم بعد جفاف منتجعات البحر الأحمر من الثروة السياحية .إن سقوط الطائرة الروسية فوق الأراضي المصرية بسيناء التي لا سلطة عسكرية عليها من قبل الحكومة المصرية، وما تبعه من حالة إنكار ومن قبل المسؤولين المصريين عما يعاني منه القطاع العام من فساد، قد فضح المرض الآخر هناك والمتعلق بالرشا الإجبارية التي تعود على جبايتها كثير من أفراد الأمن في المؤسسات والمراكز الأمنية والحدودية وخصوصا المطارات ، والأخيرة هي الأكثر خطورة لأنها خط الدفاع الأول لحماية البلاد، فمن يرتشي لا يتورع عن إدخال أي شحنة بلا تفتيش ما يجعل تهريب المواد الخطرة عملية سهلة ، والمطارات واحد من الشواهد في مصر ، وهي مشكلة عامة يشكو الكثيرون منها في عالمنا العربي .إن حالة الإنكار التي اتبعتها الحكومة المصرية تتعلق بسوء الإجراءات الأمنية في المطارات وبشكل غير متعمد، فالموظف الذي لا يكاد راتبه يفي بحاجاته الفردية والعائلية والالتزامات الحياتية الأخرى، جعلته في درجة العبودية لعدم توفر الخدمات المجانية والضغوط الهائلة على عاتقه،وتحول وظيفته إلى مجرد عامل سخرة، ما يسهل انحراف هؤلاء الموظفين واستغلالهم ، من هنا بدأت مشكلة الحكومة المصرية ،عندما بدأت بتفنيد أي معلومة أو شكوك بإمكانية زرع قنبلة داخل إحدى الحقائب على متن الطائرة ، وهو الاحتمال الأقوى حتى الآن ، في ظل عدم توافر معلومات من الصندوقين في الطائرة .مرض الإنكار يتعدى ذلك في مصر التي تشبه كثيرا من الدول العربية، فسقوط النظام المصري في امتحان الانتخابات العامة الأخيرة ، رافقته حالة من الإنكار والرفض لحقيقة أن الشعب المصري بات كافرا بكل الوعود والأحلام الوهمية التي تسوِّقها أجهزة النظام والصحافة الراقصة على أنغام الرئاسة، فاستنكاف غالبية الشعب كان رسالة واضحة للنظام فحواها إن العالم يعرف حقيقتكم والكيفية التي تحكمون بها ، والشعب يعرف أن الأمور لن تتغير بمجرد امتطاء الوجوه الجديدة على ظهور الشعب ، فمن يحكم ويقرر وينفذ هو الرئيس والمجموعة الخاصة به ، وبقية الشعب إما أن تنصاع بنعم ، أو فلتذهب للجحيم .في شتاء هذا العام الذي جاء باكرا ، غرقت العديد من العواصم العربية من الخليج والعراق إلى الأردن ولبنان ومصر ، لم يخرج أحد من المسؤولين ليعلن مسؤوليته الأخلاقية عن التقصير أو جزء منه والذي أدى إلى غرق الشوارع والساحات والبيوت والمركبات والمحال التجارية ، وتكبَّد المواطنون خسائربملايين الدولارات ، فيخال لك أنهم جميعا مرتبطون بعقل واحد لا يقبل الشفافية ولا الحقيقة ، ولكن في مصر كان الوضع أكثر فظاعة ، فنتائج التحقيقات كانت عادية وإقالة محافظ الإسكندرية كان سحبا لصاعق القنبلة كي لا ينفجر الرافضون للانقلابات ، ولكن المأساة عندما خرج تقرير يتهم مجموعة من الإخوان المسلمين بأنهم سبب في غرق الإسكندرية ، والكيفية هي أنهم أغلقوا البواليع ومنافذ تصريف المياه والمجاري مسبقا بهدف إغراق المدينة، وهذا دليل على فشل الدولة برمتها التي تمتلك جيشا عرمرما وأجهزة أمنية عاتية ومع هذا تبحث دائما عن عدو داخلي لتبرير البطش بالشعب والسيطرة عليه .لا يمكن للعالم العربي أن يتقدم أو يتطور بشكل حقيقي في ظل حالة التوتر والمناكفة التي يعيشها داخليا ، فنحن نرى علاقات الأنظمة والحكام والحكومات مع العالم الخارجي تبنى على هياكل عظمية وبشرية داخلية، فدولنا تخاف من الغرب أكثر من الله أو الشعوب ، وهي من الممكن أن تحكم على شعب مثل أهل غزة بالموت لعيون الرضا من إسرائيل واللوبي الصهيوني في أمريكا ، وممكن أن تعفو عن مواطن كفر بالله وأساء للدين وللرسول إرضاءً لمنظمات الحقوق العالمية أو للدول الغربية ، فليس هناك أي معيار للعدالة أو الشفافية عندهم ، ولا أحد يعترف بالحقيقة المرة .