10 ديسمبر 2025
تسجيلهذه المرة لا مفر ! العالم كله بات يطالب الرياض بأن تثبت براءتها من دم الكاتب والإعلامي البارز جمال خاشقجي، وتحديدا قنصليتها في اسطنبول، والتي أصبحت قبلة التجمهرات السلمية للنشطاء والأدباء الذين قدموا من كل أرجاء العالم، بالإضافة إلى التجمعات الشعبية التي ترفع صور خاشقجي وتطلب جوابا واحدا للسؤال الذي اتفق عليه العالم اليوم حكومات وشعوبا: أين الإعلامي جمال خاشقجي؟!. بالأمس أوردتُ في مقالي أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدا متحفظا في تصريحاته التي أعقبت خطابه الداخلي لحزبه حزب العدالة والتنمية حول الأنباء المتداولة لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ولكن على ما يبدو أنني كنت متسرعة بعض الشيء في رأيي ذاك، فسرعان ما كشر أردوغان عن أنيابه كما هي عادته حين يمس أحدهم أمن وسيادة دولته وخرج لنا بتصريحات وصفها المراقبون بأنها أكثر حدة وتحديدا، وطالب صراحة القنصلية السعودية في اسطنبول أن تثبت فعلا أن خاشقجي قد غادر مبناها بالصورة والدليل، وأنه شخصيا لن يقبل بالأقوال فقط وألمح إلى أن مخابرات بلاده لن تقف عند التحقيقات الأولية التي تراوح مكانها بين ادعاءات القنصل السعودي أن كاميرات قنصليته تصور، لكنها لا تسجل وبين تأكيد الجانب التركي على أن الإعلامي السعودي قد يكون غادر القنصلية، ولكن إما مختطفا أو مقتولا، لكن من المؤكد أنه لم يغادرها ماشيا على قدميه وذهب بتصريحاته إلى الإشارة الجدية بأن كاميرات القنصلية يجب أن تكون قد سجلت دخول ومكوث خاشقجي حتى خروجه منها على عكس الرواية السعودية، فلا يمكن استغباء العالم بأن قنصلية ومكانا دبلوماسيا الملغم بعشرات الكاميرات لا يمكن أن تصور دون أن توثق ما يدور أمامها وفي أروقتها، ولعل ما زاد من ورطة الرياض هو تفاعل الأوساط العالمية الإعلامية مع قضية خاشقجي، والذي أدى إلى أن يرفع رؤساء حكومات الدول الكبار مثل فرنسا وأميركا وبريطانيا وألمانيا ومعاونيهم ووزراء خارجياتهم أصواتهم ويطالبوا الرياض تحديدا بالكشف عن مصير مواطنهم الذي لقي من وراء الغموض السعودي حول مصيره الشهرة الكافية لأن تجعل حكومة محمد بن سلمان في (حيص بيص) وتستطيع إن تم تأكيد فرضية مقتله كما تسربت الأخبار الأولية أن تهدم واجهة (الإصلاح) التي يتخفى وراءها (مبس) منذ إعلانه الانفتاح من بلاده واعتقالاته التعسفية الممنهجة للعلماء والدعاة والكتّاب التي تجاوزت خطوط الطول والعرض السعودية إلى خارجها من دول المنفى التي هرب إليها من يعارض سياسة بن سلمان في البلاد. ورغم أن قضية خاشقجي قد لقيت انتشارا واسعا في العالم بأسره وانتفضت الوكالات والصحف والبرامج عنه ولازالت الواشنطن بوست الصحيفة التي احتضنت مقالات خاشقجي تفرد مساحة على صفحاتها للتحدث عنه وعن سر اختفائه، إلا أنه لا جديد فيها، ويبدو واضحا أن الجانب السعودي يماطل في تقديم ما لديه حتى يجد له مخرجا يقتل هذه القضية التي كبرت في مهدها وربما يراهن على الوقت لتموت أن تُصرف أنظار العالم عنها قريبا، ولكن الواجب يحتّم علينا إنسانيا ومهنيا أن يظل ملف خاشقجي مفتوحا أمامنا كإعلاميين وأصحاب قلم في قطر، ليس لكونه عارض سياسة بن سلمان التي لقيت قطر الجزء الأكبر من ظلمها وتهورها، ولكننا أمام مسؤولية أن يقف هذا التعدي الصارخ على كل صاحب فكر يعارض برقي سياسة يريد صاحبها أن يفرضها عليه دون حق أو مسؤولية تجاهه، خصوصا أننا ننعم في بلد ضمن حريات الفرد فيه وجعل كل كاتب فينا يضع لنفسه حدودا أدبية يقف تجاهها ليس تخوفا من سلطة، وإنما احترام لذاته ولوطنه ولحكومته التي يجب أن تُجازى لما تفعله بأفضل منه، ولذا ليس علينا في قطر سوى أن نشارك أحرار الأوساط الإعلامية العالمية الحرة في المطالبة بالكشف عن مصير جمال خاشقجي الذي كان له منفى خارج حدود بلاده اختيارا لتطاله يد حكومته وتقصيه عن أنظار العالم إجبارا!. فاصلة أخيرة: إن حرية التعبير والكلام والمعتقد مضمونة لجميع فئات الشعب، ويستطيع أي مواطن عربي في أي بلد عربي أن يدخل على أي مسؤول ويقول ما يشاء، ولكن متى يخرج فهذه مسألة أخرى! «محمد الماغوط». [email protected]