15 سبتمبر 2025

تسجيل

للأسف.. ليست زلة لسان من بايدن!

10 أكتوبر 2014

اتهم نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن دولاً عربية وإسلامية بمساندة داعش، وهو من بعد قدم اعتذاراً هنا أو هناك وسط تبريرات تقول إنها مجرد زلة لسان أو إن ما قال فهم خطأ، لكن للأسف هو قصد ما قال ولم يكن الأمر مجرد زلة لسان، إلا إذا افترضنا أن نائب الرئيس الأمريكي رجل لا يعرف ما يقول، وإذا افترضنا، أيضاً، أن بعض الدبلوماسيين الغربيين الذين قالوا نفس الكلام – واعتذروا أيضاً فيما بعد - قد أصابوا بايدن بعدوى عدم الإدراك أو أن الغرب قد أصابته حمى التصريحات المنفلتة فجأة. والجميع يتذكر تجربة أمتنا مع ما قيل بأنه زلة لسان من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، حين قال إن أمريكا تخوض حرباً مقدسة (أي حرباً صليبية) وقيل وقتها إن الرئيس لا يقصد المعنى وأثبتت الأيام أنه كان يقصد ما قال تماما وأن الأمر لم يكن زلة لسان بل كان تعبيرا دقيقا عن حقيقة الفكر والإستراتيجية الأمريكية. وبالمناسبة بايدن من مدرسة جورج بوش وهو من القلائل الذين يفخرون بأنهم من الصهاينة الداعمين لإسرائيل. بايدن للأسف قصد ما قال، وفي الأمر إشارة إلى استمرار التحولات في المواقف الأمريكية نحو إيران التي انتشت وفرحت بهذا التصريح، الذي جاء على غير ما يتردد حول علاقاتها هي بداعش والقاعدة من قبل. بايدن أراد الإشارة لإيران بأنها الحليف الأكثر موثوقية لدى الولايات المتحدة، حتى من المشاركين في الحرب على الإرهاب- وكان لافتا أن شمل اتهام بايدن معظم المشاركين - وقد التقطت إيران الإشارة من فور إطلاق التصريح وبدأت حربا إعلامية وسياسية ودبلوماسية مباشرة على الدول التي أشار إليها بايدن وبذات الاتهام وأكثر، خاصة تركيا التي بات المسؤولون والإعلاميون الإيرانيون يحذرون من مخططات خطيرة لها، وهي لغة ومصطلحات لم تصدر من أي مسؤول إيراني قبل هذا التصريح. هنا لم تكن زلة لسان بل بيان تحريض ودفع للاشتباك بين دول الإقليم. وبايدن قصد التفلت من فكرة مواجهة وإسقاط نظام بشار، التي تصر عليها الدول التي اتهمها بايدن تحديداً بمساعدة داعش أو غض الطرف عنها. من يفتش في التصريحات جيداً يجدها تتحدث عن أن تلك الدول المتهمة في داعش، كانت منشغلة وهمها الأكبر إسقاط نظام بشار – وهو ما اعتبرته التصريحات، السبب الذي سمح بتنامي قوة داعش- وهنا يبدو بايدن في موضع من يرسل رسالة طمأنة لنظام بشار – وإيران وروسيا - بإعلان صريح بأن هناك من ينشغل بإسقاطه ليس من بينهم الولايات المتحدة، وخطورة التصريح هنا أنه يلقي الضوء على تفاهمات ومقايضة بين أوضاع أوكرانيا وسوريا. ومن يقلب في الموقف التركي التالي لتصريحات بايدن يجده صار أكثر وضوحا بل وتشددا، إذ فهم الأتراك مغزى تصريحات بايدن –بل وصداها المقصود داخل تركيا باعتبارها مستهدفة إعادة تأجيج الحركة الانفصالية للأكراد- وأنها ليست زلة لسان بل كشف لكوامن الموقف الأمريكي. ولذا تحرك أردوغان بحسم ضد التصريحات وطالب باعتذار علني. وبايدن، أراد أن يوجه رسالة ضغط وتحذير لمن وجه لهم الاتهام، بأن الولايات المتحدة مصممة على أهدافها هي من حكاية التحالف الحربي، وأن إصرار تلك الدول على ربط مساهمتها في التحالف وتوجيه جهودها، لأجل إسقاط نظام بشار هو أمر لن تقبل به الولايات المتحدة –لحسابات مصالحها هي- وأن دخول تلك الدول للتحالف لأهداف تضمرها هي، أمر لن تقبل به الولايات المتحدة وربما قصد بايدن الإشارة لوجود خيارات أخرى للتحالف في الإقليم. وقد كشف بايدن بتصريحاته، بعدا مهما في أسباب تبنى الولايات المتحدة إستراتيجية غامضة وعدم إفصاحها عن أهدافها الكلية أو الحقيقية. فاتهامه هنا يكشف أن الغموض يمنح الولايات المتحدة فرصة مواجهة أي طرف داخل التحالف أن خرج على ما قررت أو تريد. أما عن الرجل، فهو صانع أخطر القرارات في الشرق الأوسط. ويكفي أنه صاحب مشروع تقسيم العراق في الكونجرس الأمريكي، وأنه لا يزال يعمل لإنفاذه بل هو حقق منه الكثير على الأرض. وتصريحه هنا يصب في ذات الخانة التي يملا فيها منذ إقرار المشروع في الكونجرس. فالاضطراب الذي أحدثه التصريح لاشك قد صب الزيت على النار في العراق، أيضا. بايدن قصد ما قال تماما، والاعتذارات جاءت بقصد تخفيف حدة المواقف التي صدرت لا أكثر ولا أقل.